عوامل الخطر البيئية لاضطراب طيف التوحد

عوامل الخطر البيئية لاضطراب طيف التوحد

ينتج اضطراب طيف التوحد بسبب التفاعل بين العوامل الجينية والبيئة. ولقد ساهمت العشرات من الجينات في هذه الحالة، ولكن من الجانب البيئي كان من الصعب تحديد العوامل المؤثرة. 

فيما يلي نوضح لماذا يصعب ربط التوحد بالعوامل البيئية، وما الذي يعرفه العلماء عن تأثير البيئة على التوحد.

ما الذي يصنف كعامل خطر بيئي؟

يُفهم من المصطلح “عامل الخطر البيئي” عادةً المواد الكيميائية أو الملوثات التي يتعرض لها الشخص. ولكن يستخدم العلماء تعريفاً أوسع وهو: أن عامل الخطر البيئي هو أي شيء يغير من احتمال وجود حالةً ما ولا يتم تشفيرها في الحمض النووي للفرد.

تشمل عوامل الخطر البيئية للإصابة بالتوحد: الولادة المبكرة (قبل الموعد المحدد للولادة)، أو الفترة القصيرة بين الحمل وولادة الأخ الأكبر أو الأم المصابة بمرض السكري. فعلى مدى السنوات الخمسة عشر الماضية أو نحو ذلك، قام العلماء بفحص العديد من هذه العوامل لتحديد كيف يمكن أن تسهم في حدوث التوحد، ولكن لا تزال المعلومات المؤكدة قليلة.

لماذا لا يمكننا معرفة أي من هذه العوامل البيئية هي التي تزيد من خطر الإصابة باضطراب طيف التوحد؟

لقد أعطتنا الدراسات عن ارتباط البيئة بالتوحد نتائج متعارضة. فعلى سبيل المثال: تشير بعض الدراسات إلى أن تناول الأدوية المضادة للاكتئاب أثناء الحمل يزيد من خطر الإصابة بالتوحد لدى الطفل، بينما دراسات أخرى لم تجد هذا الارتباط.

معظم الأبحاث حول المخاطر البيئية تشتمل على الدراسات الوبائية، وهي التي تحدد الارتباطات بين شيئاً ما في البيئة واحتمال تشخيص الحالة لدى مجموعة كبيرة من الناس، ولكن هذه الدراسات لا تحدد السبب والنتيجة. وأحد هذه الأسباب، أنها مليئة بما يسميها العلماء “بالعوامل المربكة” وهي متغيرات تميل إلى التنقل معاً وتجعل من الصعب تحديد العلاقات السببية.

إضافةً إلى ذلك، يمكن أن تكون هذه العلاقات السببية غير واضحة. فعلى سبيل المثال: نحن نعلم بأن الأطفال من آباء كبار في السن هم أكثر عرضة للإصابة بالتوحد من الأطفال من آباء أصغر في السن. ولكننا لا نعلم ما إذا كان التقدم في عمر الآباء بنفسه يزيد من خطر الإصابة بالتوحد أو أن الآباء الذين يحملون المزيد من عوامل الخطر الجينية للتوحد، يميلون إلى إنجاب الأطفال في وقت متأخر من العمر.

 وغالباً يصعب قياس العوامل البيئية. مثلاً: عند سؤال الوالدين عن ما تعرضوا إليه هم وأطفالهم ذوي التوحد، قد لا يتذكرون أو قد يربطون الوالدين أهمية كبيرة لتفاصيل يعتقدون بأنها تفسر سبب إصابة طفلهم بالتوحد.

ما هي عوامل الخطر البيئية التي أثبتت ارتباطها باضطراب طيف التوحد؟

إن عوامل الخطر الشائعة تنشط في أثناء الحمل أو في وقت قريب من الولادة. حيث ترتبط مضاعفات الحمل والولادة المختلفة بزيادة خطورة الإصابة بالتوحد، وهذا يشمل: الولادة المبكرة (الخداج)، انخفاض وزن الطفل عند الولادة، إصابة الأمهات بمرض السكري أو ارتفاع ضغط الدم أثناء الحمل. لذلك فإن العلماء ليسوا متأكدين من الآليات الكامنة وراء هذه الروابط. 

كما يبدو أن الجهاز المناعي للأم يلعب دوراً في خطر الإصابة بالتوحد. لهذا ترتبط الالتهابات والأمراض مثل الإنفلونزا الحادة والتنويم في المستشفى أثناء الحمل بزيادة خطر الإصابة بالتوحد عند الطفل.

كما أن النساء المصابات بأمراض المناعة الذاتية (التي يهاجم فيها الجسم أنسجته)، هم أكثر عرضةً لإنجاب طفل مصاب بالتوحد، وتشير الدراسات التي أجريت على الحيوانات إلى أنه يمكن للجزيئات المناعية تغيير التعبير الجينى وتطور الدماغ بطرق من الممكن أن تكون ذات صلة بالتوحد. 

من المعروف أن التعرض لدواء (فالبروات)، الذي يستخدم لعلاج اضطراب ثنائي القطب أو الصرع، في الرحم، يزيد من خطر الإصابة بالتوحد وكذلك بمجموعة من العيوب الخلقية. 

ماهي العوامل البيئية الأخرى التي يدرسها العلماء؟

لا يزال العلماء يحاولون التفريق بين آثار استخدام الأم للأدوية المضادة للاكتئاب أثناء الحمل ومن آثار حالة الاكتئاب نفسها. إن أحد أسباب صعوبة حل هذه المشكلة هو أنه إذا كان أحد الوالدين مصاب باضطراب في الدماغ فقد يحمل الطفل عوامل وراثية مشتركة تزيد من خطر الإصابة بالتوحد. 

على مدى السنوات القليلة الماضية، ازدادت الأدلة حول أن تعرض الأم للهواء الملوث أثناء الحمل أو في مرحلة مبكرة من  العمر، يمكن أن يزيد من خطر الإصابة بالتوحد. ومع ذلك، لا تزال هناك أسئلة كثيرة، مثل أي من عناصر تلوث الهواء قد تكون هي المعنية. 

ما هي عوامل الخطر البيئية التي تم استبعاد علاقتها باضطراب طيف التوحد؟

رغم الروابط بين الجهاز المناعي للأم والتوحد، إلا أن التطعيمات الروتينية التي تعطى أثناء الحمل مثل التطعيمات ضد الانفلونزا ومرض السعال الديكي، لا تزيد خطر الإصابة بالتوحد. 

وبالمثل أيضاً تطعيمات الأطفال، حيث إن الأبحاث التي زعمت ظهور علاقة سببية، كانت دراسات غير صحيحة وقد تم التراجع عنها، ولم يظهر أي دليل موثوق وقوي لتأييد علاقة تطعيمات الأطفال والتوحد. 

كما أن العلماء استبعدوا أن يكون التدخين أثناء فترة الحمل مساهم بالإصابة بالتوحد، ولكن بالطبع إن التدخين ضار في فترة الحمل لأسباب أخرى كثيرة. 

هل هناك عوامل بيئية تقلل من خطر الإصابة باضطراب طيف التوحد؟

يحاول العلماء تحديد عوامل الخطر البيئية للتوحد حتى يتمكنوا من إيجاد طرق للحد من الخطر، ولكن ليس من السهل تعديل وتغيير العوامل البيئية المدعومة بالأدلة القوية. 

تشير بعض الدراسات إلى أن تناول فيتامين (د) وفيتامين (ب9) أو حمض الفوليك أسد، أثناء فترة الحمل يمكن أن يقلل من خطر الإصابة بالتوحد للطفل، ولكن الأدلة ليست مؤكدة. 

ما الذي يفعله العلماء لمعرفة المزيد من العوامل البيئية التي تزيد خطر الإصابة باضطراب طيف التوحد؟

تساعد التقنيات الإحصائية الجديدة العلماء على معالجة العوامل المربكة واستخلاص استنتاجات أكثر قوة من الدراسات الوبائية، و أيضاً توفر الدراسات التي أجريت على الحيوانات أدلة حول الآليات التي تزيد أو تنقص من عوامل خطر الإصابة بالتوحد. و كذلك العديد من الجهود مثل: التأثيرات البيئية في دراسة نتائج صحة الطفل، ودراسة العلامات المبكرة للتوحد، حيث يتتبعون حالات التعرض البيئية وعوامل الخطر عند الطفل، التي تبدأ من قبل الولادة.

ماذا يجب على الوالدين أن يفعلوا بخصوص العوامل البيئية التي تزيد  من خطر الإصابة باضطراب طيف التوحد؟

يجب على الأسر المعرضة لخطر إنجاب طفل مصاب بالتوحد، وذلك بسبب أن لديهم طفل آخر مصاب بالتوحد، بأن يستشيروا الطبيب أو المستشار الوراثي للحصول على توصيات. بالنسبة للتوصيات العامة التي تقدم للنساء أثناء الحمل مثل (أخذ لقاح الإنفلونزا أو تناول فيتامينات ما قبل الولادة) فإنها من غير المحتمل أن تسبب ضرراً بل قد تساعد لصحة الأم والطفل.

ومن المهم أن نتذكر أنه على الرغم من وجود علاقة بين العوامل البيئية وزيادة خطر الإصابة بالتوحد، ألا أن نسبة الخطر تكون قليلة في إنجاب طفل مصاب بالتوحد، فعلى سبيل المثال: كشفت دراسة كبيرة أجريت عام 2014م على النساء في السويد، بأن الإصابة بالعدوى أثناء الحمل تزيد من خطر إنجاب طفل مصاب باضطراب طيف التوحد بنسبة من 1 إلى 1,3%. 

[ratemypost]

لقد قرأت

شارك هذه المقالة

أحدث المقالات