فقدان الشهية والتوحد

الكاتبة: لورا داتارو – 7 ديسمبر 2020م
The article was originally published on Spectrum, the leading site for autism research news. https://bit.ly/3s965Mv
spectrum Logo

فقدان الشهية والتوحد

في عام 1983 طرح عالم النفس كريستوفر جيلبيرج سؤالًا مثيراً على قراء المجلة البريطانية للطب النفسي وهو: هل يمكن أن يتشارك التوحد وفقدان الشهية العصبي في الأسباب المخفية؟ جاء فضول جيلبيرج جزئياً من ملاحظاته لثلاثة أولاد مصابين بالتوحد، كان لدى جميع أبناء عمومتهم من الإناث اضطراب في الأكل، والذي يتميز بالقيود الغذائية وانخفاض وزن الجسم والخوف الشديد من زيادة الوزن و تشوه شكل الجسم.

اقترح جيلبيرج (أستاذ الطب النفسي للأطفال والمراهقين في جامعة جوتنبرج بالسويد) في البداية أن فقدان الشهية هو “الشكل الأنثوي للتوحد” وعلى الرغم من أن هذه الفكرة لم تكن دقيقة، فإن شكوكه في ارتباط اضطرابات الأكل والتوحد ثبتت صحتها. حيث تظهر الدراسات أن الأشخاص الذين يعانون من فقدان الشهية هم أكثر عرضة للإصابة بالتوحد من غيرهم، و على الجانب الآخر هناك دراسات أقل توضّح أن الأشخاص المصابين بالتوحد معرضون بشكل أكبر لخطر الإصابة باضطرابات الأكل، ولكن الخبراء يقولون إنه مجرد احتمال.

إليك ما يعرفه الباحثون عن التداخل بين الحالتين ومازالوا يبحثون فيه.

ما هو مدى شيوع تداخل فقدان الشهية مع التوحد؟

تختلف التقديرات، على الرغم من أن معظم الباحثين يتفقون على أن ما يقارب 20٪ من المصابين بفقدان الشهية مصابين بالتوحد. كلتا الحالتين نادرتين، حيث أن حوالي 1٪ من البشر مصابون بالتوحد و 0.3٪ يعانون من فقدان الشهية، وقد درست معظم الأبحاث حتى الآن مدى انتشار التوحد لدى الأشخاص المصابين بفقدان الشهية وليس العكس. على سبيل المثال: من بين 60 امرأة يتلقين علاجاً لاضطراب الأكل في عيادة في المملكة المتحدة، حصلت 14 منهن 23٪ على نتيجة أعلى من الحد التشخيصي في اختبار يسمى جدول الملاحظة التشخيصية للتوحد (ADOS) وبالمثل تم تشخيص حوالي ثلث الأشخاص المصابين بفقدان الشهية بالتوحد وفقاً لدراسة طويلة اُختبر فيها مجموعة من 51 شخص يعانون من فقدان الشهية و 51 شخص ضمن المجموعة الضابطة في السويد منذ الثمانينات. وبسبب التغييرات في كيفية تشخيص التوحد استوفى بعض المشاركين معايير التشخيص في أوقات ولكن في أوقات أخرى لم يستوفوها، لكن أولئك الذين يعانون من فقدان الشهية لا يزالون يميلون إلى الحصول على درجات أعلى في اختبار صعوبات التواصل الاجتماعي مقارنةً بالمجموعة الضابطة.

وتؤكد الدراسات السُّكانية هذا الارتباط. الأطفال الذين يعانون من صعوبات اجتماعية في  عمر 7 و 11 سنة هم أكثر عرضة من أقرانهم للانخراط في سلوكيات الأكل المضطربة، مثل الصيام أو استخدام حبوب الحمية في عمر 14 سنة؛, وذلك وفقاً لبيانات أكثر من 5000 طفل ولدوا في المملكة المتحدة ومن بين 1.7 مليون شخص في السجل الصحي الوطني بالدنمارك. وتزيد احتمالية الإصابة بالتوحد بأكثر من 15 مرة بين الأشخاص المصابين بفقدان الشهية مقارنة بمن لا يعانون منه، وبالمثل فإن الأشخاص المصابين بالتوحد أكثر عرضة للإصابة بفقدان الشهية بخمسة أضعاف من غير المصابين بالتوحد، ولكن الإصابة بالاكتئاب تزيد أيضًا من احتمالية الإصابة بالتوحد في هذه المجموعة، لذلك ليس واضحاً ما إذا كان التوحد له صلة فريدة بفقدان الشهية أو أنه يزيد ببساطة من احتمال الإصابة بحالة نفسية. 

يقول ويليام ماندي (أستاذ علم النفس الإكلينيكي في جامعة كلية لندن في المملكة المتحدة): أن تفسير التداخل بين الحالتين معقد بسبب حقيقة أن الجوع يمكن أن يسبب تغيرات في الدماغ تؤدي إلى سلوكيات شبيهة بالتوحد كالصعوبات الاجتماعية ومشاكل في معالجة المشاعر، وقد يكون من الصعب تشخيص التوحد بدقة لدى الأشخاص الذين يعانون من فقدان الشهية الحاد. 

وعلى سبيل المثال من بين 40 فتاة مراهقة يخضعن لعلاج مكثف لفقدان الشهية فقد سجلت 21 منهن درجة أعلى في جدول الملاحظة التشخيصية للتوحد (ADOS) ولكن أبلغ أربعة آباء أنهم لاحظوا سمات التوحد في أطفالهم عند مرحلة الطفولة، وهي ضرورية لتشخيص التوحد، ويشير هذا إلى أنه بالنسبة لمعظم الفتيات، يسبب اضطراب الأكل سلوكيات جديدة تعكس التوحد، ومن الممكن أيضاً أن يكون التوحد لدى الفتيات قد أهمل في مرحلة الطفولة، تقول هيذر ويستوود (أخصائية علم النفس الإكلينيكي في اضطرابات الأكل في كلية كينجز لندن) “لا يزال النقاش مستمراً”.

هل اضطرابات الأكل لها نفس الأسباب لدى المصابين بالتوحد وغير المصابين به؟

يتضمن فقدان الشهية تركيزاً ضاراً على الوزن وشكل الجسم، ولكن الأشخاص المصابين بالتوحد قد يقيدون تناولهم للأكل لأسباب أخرى، مثل التعامل مع المشاعر الصعبة أو وجود بعض النفور لأطعمة معينة، وبالنسبة لبعض المصابين بالتوحد، قد تنشأ اضطرابات الأكل من سلوكيات مقيدة وتكرارية تأخذ شكل اهتمام مكثف مثل حساب السعرات الحرارية أو ممارسة الرياضة أو الإصرار على نظام غذائي محدود. 

تبدأ اضطرابات الأكل عادةً في مرحلة المراهقة، عندما تصبح الحياة الاجتماعية للأشخاص أكثر تعقيداً، وفي دراسة نوعية للنساء المصابات بالتوحد وبفقدان الشهية نُشرت في أبريل، أفاد عدد قليل من المشاركين بأن سلوكيات الأكل لديهم يدفعها شكل الجسم بشكل أساسي، على الرغم من أن البعض استخدم هدف النحافة كطريقة للتوافق مع إقرانهم من حولهم حيث شعروا بأنهم مستبعدون، وقد يكون هذا النوع من الدافع العاطفي شائعًا بشكل خاص بين الفتيات المصابات بالتوحد غير المشخص، ومن الممكن أن يعانين من مشاعر داخلية سيئة بدون الحصول على الدعم الكافِ. تقول ماندي: “في بعض الأحيان يعتقدون هذا الاعتقاد وهو، إذا لم تأكل شيئاً، فإنه يمكنك إخماد الكثير من تلك المشاعر، وتصبح وسيلة للتعامل مع القلق الشديد والحزن.”


هناك حالة تسمى اضطراب تجنب/تقييد تناول الطعام (ARFID) تمت إضافتها إلى الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية في عام 2013 هي التشخيص الأنسب لبعض الأشخاص المصابين

بالتوحد الذين يعانون من نقص الوزن أو مشاكل في تناول الطعام، ويتضمن اضطراب تجنب/تقييد تناول الطعام (ARFID)، والذي يُطلق عليه أحيانًا “الأكل شديد الانتقائية” تجنب الطعام ولكنه لا يتضمن التركيز الشديد على الوزن وصورة وشكل الجسم التي تظهر عند المصابين بفقدان الشهية.

ومع ذلك، تتحدى أبحاث أخرى النظرية القائلة بأن اضطرابات الأكل لدى الأشخاص المصابين بالتوحد تكون دافعيتها بسبب مخاوف الوزن أقل مقارنة بالأشخاص غير المصابين بالتوحد. وفي دراسة غير منشورة، وجدت ويستوود أن العلاقة بين شكل الجسم والأكل المضطرب هي نفسها تقريباً في المجموعتين؛ وهو اكتشاف وصفته بأنه “محير”.

هناك حالة تسمى “اللكسيثيميا” حيث تشمل صعوبات في تحديد المشاعر  وفهم الأحاسيس الجسدية، مثل الجوع، قد تساهم أيضاً في هذا التداخل “اللكسيثيميا” وهي حالة شائعة في كل من التوحد وفقدان الشهية، ولا يعرف الباحثون كثيراً عن مدى ظهور اضطرابات الأكل الأخرى مثل: عدم الأكل وذلك بسبب الخوف من زيادة الوزن والشراهة في الأكل لدى المصابين بالتوحد، على الرغم من أن البعض يشتبه في وجود تداخل هناك أيضاً. وركزت معظم الأبحاث حتى الآن على الفتيات والنساء فقط، لأن اضطرابات الأكل لا تُشخص بشكل كافٍ عند الأولاد والرجال.

كيف يتم علاج اضطرابات الأكل لدى المصابين بالتوحد؟

يميل ذوي التوحد الذين يعانون من اضطرابات الأكل إلى نتائج أسوأ من غير المصابين بالتوحد، وقد يرجع هذا إلى العلاجات التي لا تراعي احتياجات المصابين بالتوحد أو التي تركز بشدة على الوزن وشكل الجسم.

يتضمن علاج اضطرابات الأكل غالباً، المواعيد مع الطبيب والإقامة في المستشفى. وغالباً يحتاج الأشخاص الذين يخضعون للعلاج إلى تناول الوجبات في مجموعات، يمكن أن تكون مزعجة ومقلقة مما يجعل تناول الطعام أكثر صعوبة، ويواجه العديد من المصابين بالتوحد صعوبة في زيارة عيادات الأطباء بسبب المشاكل الحسية لديهم، مثل النفور من مصابيح الفلوريسنت الساطعة، فقد يكون العلاج الجماعي صعب أيضاً لبعض المصابين بالتوحد.

تقوم إليزابيت وينتز (بروفيسورة في الطب النفسي في جامعة جوتنبرج والباحثة في الدراسات الطولية السويدية) بتنفيذ تغييرات صديقة للتوحد في عيادتها لاضطرابات الأكل وذلك استجابة للعدد الكبير من المصابين بالتوحد الذين لاحظتهم وهم يبحثون عن علاج لفقدان الشهية أو الشراهة في الأكل، فقد خصصت اثنين من ثمانية أسرَة للمرضى الذين يقيمون في عيادتها، للأشخاص المصابين بالتوحد وتسمح للأشخاص ذوي التوحد بتناول الطعام بمفردهم إذا رغبوا في ذلك. 

ويقول الخبراء إنه من المهم للأطباء الذين يعالجون اضطرابات الأكل أن يكونوا على دراية بالتداخل، حيث أن العديد من الأشخاص الذين يعالجونهم قد يكونون مصابين بالتوحد غير المكتشف، وعلى سبيل المثال:

سعت جميع النساء الـ 15 المصابات بكلتا الحالتين في دراسة أبريل، إلى الحصول على خدمات تتعلق باضطراب الأكل أو مشاكل نفسية أخرى قبل تشخيصهن بالتوحد، وكان متوسط ​​عمر تشخيص فقدان الشهية في المجموعة هو 17 سنة، بينما متوسط ​​عمر التشخيص للمصابين بالتوحد كان 29 سنة.

تقول ماندي: “من المفيد حقاً معرفة أنهم مصابون بالتوحد إذا كنت تريد مساعدتهم في علاج اضطراب الأكل، وفي حياتهم بشكل عام”.

إلى أي مدى كان هذا المصدر مفيد؟

متوسط التقييم 0 / 5. عدد المشاركات: 0

لقد قرأت

شارك هذه المقالة

أحدث المقالات