غالبًا ما يعاني الأطفال المصابون باضطراب طيف التوحد (ASD) من صعوبات تتعلق بالتواصل والسلوك والتغذية. فأظهرت الأبحاث أن ما يقرب من 62٪ من الأطفال المصابين بالتوحد سيواجهون صعوبات في التغذية، بما في ذلك زيادة انتقائية الغذاء، وزيادة احتمالية وجود عادات غذائية غير صحية، والمشاكل السلوكية المرتبطة بالوجبات مقارنة بالأطفال المصابين باضطرابات أخرى، إذا لم تحل صعوبات التغذية، هؤلاء الأطفال معرضون لخطر التأخر في النمو، وتقزم النمو، وأوجه القصور التغذوية المتصلة بسوء التغذية وكذلك بالسمنة
تعد صعوبات التغذية مشكلة مركبة لدى الأطفال المصابين بالتوحد، وعلى هذا النحو، تم تصنيفها وتعريفها في الدليل التشخيصي والإحصائي (DSM-5). الأنظمة الغذائية المقيدة، وتأثيرها على التغذية، والأغذية المفضلة من المهم ملاحظة أن هذا التعريف يهتم في المقام الأول بالتحديات في تناول الطعام والتأثير، في المقام الأول، على الوزن والنمو. علاوة على ذلك، من المهم فهم الطرق التي قد يكون بها الأطفال المصابون بالتوحد عرضة لظروف أخرى،
لا تؤثر تحديات التغذية على الطفل فحسب، بل يمكن أن يكون لها أيضًا آثار سلبية على الأسرة. يكافح العديد من ممارسي الرعاية الصحية والأسر لإيجاد السبل المناسبة لتحسين صعوبات تغذية أطفالهم، والتي لا تعالج فقط مشاكل التغذية ولكن أيضًا الجوانب المتعلقة بالمشاركة في وقت الوجبات والتنشئة الاجتماعية وتيسير التواصل. ومع ذلك، غالبًا لا يتم معالجة صعوبات التغذية في تقييم وإدارة الأطفال في سن المدرسة المصابين بالتوحد. غالبًا ما ركز الأدب بشكل أساسي على الأكل الصعب الإرضاء وزيادة تناول الطعام لدى الأطفال المصابين بالتوحد، مع إيلاء القليل من الاهتمام للتأثير على نمو الطفل، أو على نشاط وقت الوجبة والمشاركة. نتيجة لذلك، استند تقييم وإدارة صعوبات التغذية بشكل أساسي إلى النماذج الطبية للرعاية، والتي تركز على اضطراب التغذية المحدد للطفل باعتباره «المشكلة» التي يجب «حلها». علاوة على ذلك، تم إيلاء اهتمام محدود للطرق التي يمكن أن يؤثر بها السياق والثقافة على سلوكيات أكل الطفل وتجاربه في وقت الوجبات، وتحديداً إنشاء روتين وقت الوجبات والطقوس للأسر التي لديها أطفال مصابين بالتوحد. لذلك، ستساهم هذه المراجعة في الطرق التي نفهم بها صعوبات التغذية في سياق بيولوجي نفسي اجتماعي، باستخدام إطار التصنيف الدولي للأداء والإعاقة والصحة، والذي يمكن استخدامه لفهم تجارب وقت وجبة الطفل والأسرة.
الأداء الفردي لاضطرابات التغذية لدى الأطفال المصابين بالتوحد
تعتبر العوامل المرتبطة باضطرابات التغذية لدى الأطفال المصابين بالتوحد متعددة العوامل (عوامل حسية أو سلوكية أو نفسية أو تواصلية أو عائلية). أشارت الأبحاث إلى أن صعوبات التغذية قد تكون سببًا ونتيجة للتوحد، مع وجود تباين كبير في الأدبيات. غالبًا ما يفضل الأطفال المصابون بالتوحد أنواعًا معينة من الطعام بناءً على المذاق أو الملمس أو اللون أو درجة الحرارة. (نقص الوزن وزيادة الوزن على حد سواء)، وكذلك مزاجهم وسلوكهم، اعتمادًا على الأطعمة المفضلة لديهم. كما أشارت الأبحاث إلى حدوث زيادة في السمنة لدى الأطفال المصابين بالتوحد على مدى العقدين الماضيين، مع وجود عوامل مساهمة تتعلق بأنماط الأكل والوجبات الغذائية .
الأنشطة و المشاركة
أشارت الأبحاث الحديثة إلى أهمية أوقات الوجبات العائلية والدور الذي يلعبه الطعام والأكل على الأسر، لا سيما فيما يتعلق بالمعتقدات والمعايير التي تسهل الوحدة الجماعية ، يمكن أن تعمل زيادة انتظام أوقات الوجبات العائلية أيضا على تعزيز الأمن والوحدة وتحسين الأداء الأسري ، يوجد لدى الأطفال المصابون باضطراب طيف التوحد عدد من السلوكيات الإشكالية وقت الوجبات ، مثل الصراخ وعدم الجلوس على الطاولة والعدوان ونوبات الغضب، مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى العزلة للطفل خلال أوقات الوجبات، سواء في المدرسة أو في المنزل.
العزلة هي عامل مهم يجب ملاحظته، خاصة بالنسبة للأطفال الذين يعانون من اضطراب طيف التوحد الذين لديهم مشاكل اجتماعية وتواصلية معروفة. حيث تؤدي العزلة أيضا إلى انخفاض التماسك الأسري، والتأثير على تكوين روتين وطقوس التغذية الأسرية.
في المنزل، عادة ما يأكل الأطفال بمفردهم، وغالبا ما يتناولون أطعمة مختلفة من بقية أفراد الأسرة. هذا يزيد من استبعادهم، مما يؤدي إلى فقدان العديد من التجارب الحاسمة لتطوير المهارات الاجتماعية. في المدرسة، لا ينضم الأطفال المصابون باضطراب طيف التوحد في كثير من الأحيان إلى الأطفال الآخرين خلال أوقات الوجبات الخفيفة أو الغداء في المدرسة، أو يشاركون في الحفلات الصفية التي غالبا ما تتضمن أطعمة خاصة لذلك، غالبا ما يفتقد العديد من الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد فوائد أوقات الوجبات المشتركة، مثل تطوير التواصل الاجتماعي، والمشاركة في عملية وقت الوجبات. غالباً ما تكون العائلات والمعلمون غير متأكدين من أفضل طريقة للتخفيف من تحديات التغذية لضمان استمرار مشاركة الطفل في عملية وقت الوجبات. علاوة على ذلك، تم ذكر أن الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد أقل تحفيزا اجتماعيا للمشاركة في أوقات الوجبات، مما قد يفسر سبب استبعاد الكثيرين من أوقات الوجبات وغالباً ما يأكلون بمفردهم.
تقييم اضطراب التغذية لدى ذوي اضطرابات التوحد
على الرغم من الانتشار المرتفع لصعوبات التغذية بين ذوي اضطراب طيف التوحد، لا يزال هناك ندرة في البحوث حول الطرق التي ينبغي بها تقييم هذه التحديات وإدارتها، ركزت تقييمات التغذية على الجوانب المتعلقة بالانتقائية الغذائية، فيما يتعلق بعدد المواد الغذائية التي يأكلها الطفل ويرفضها. استخدمت غالبية الدراسات التي تبلغ عن تقييم التغذية في اضطراب طيف التوحد، الاستدعاء الغذائي كمقياس لتفعيل صعوبات التغذية. في مراجعة أجراها Chistol et al،63، أبلغوا عن تدابير التقييم المختلفة، مثل التقييم الموجز لجرد سلوك وقت الوجبات (BAMBI)، وملف تعريف الأكل، التي تم استخدامها لتحديد سلوكيات الأكل الخاصة باضطراب طيف التوحد، مع التركيز على المدخول الغذائي والمغذيات لتحديد انتقائية الطعام. يجب أن تركز التقييمات على كل من الطفل والأسرة، غالبا ما يكون مقدمو الرعاية مسؤولين في المقام الأول عن تزويد أطفالهم بالطعام وأوقات الوجبات، وتحديدا حول توافر الطعام واجراءات طقوس وقت الوجبات. ومع ذلك، فإن المبادئ التوجيهية لتدريب مقدمي الرعاية من أجل توفير تدخلات التغذية غير متوفرة. أشارت الدراسات إلى أن التدخلات التي تركز على الوالدين قد استخدمت بشكل متكرر مع الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد لتحسين التطور اللغوي وتفاعلات التواصل الاجتماعي والسلوكيات الإشكالية. وهذا يوفر أساسا منطقيا جيدا لاستخدام نهج يركز على الوالدين لتقييم صعوبات التغذية وإدارتها، وينبغي استكشافها بشكل أكبر لتطبيق فهم أكثر شمولية للطفل والأسرة والاعتبارات الثقافية والسياقية.
إدارة الأكل الانتقائي لدى الأطفال ذوي اضطراب التوحد
أشارت الأبحاث أنها دعمت التدخلات الطبية والسلوكية في تحسين انتقائية الأكل لدى الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد ، وتلعب الأسرة أيضًا دورًا أساسيًا في تحسين نتائج التغذية. وبالتالي، يجب على المختصين أن يكونوا على دراية باحتياجات الأسرة المحددة في وقت الوجبات، وقد يحتاجون الأسرة إلى استشارة لفهم الطرق التي يعملون بها بشكل أفضل، وتنظيم أوقات الوجبات، بالإضافة إلى إدارة صعوبات التغذية داخل بيئتهم المنزلية.
وبناءًا على دراسة أجراها (Ausderau et al1) حدد فيها ست استراتيجيات مختلفة: (1) تدخل الوالدين وتجاهلهم، (2) إعداد الوجبات والقدرة على التكيف، (3) التعزيزات الإيجابية، (4) اللعب والخيال، (5) الانحرافات، و (6) النمذجة. واستخدمت الاستراتيجيات لاستهداف تفاعلات الطفل وسلوكه في بيئاته المختلفة. يقوم الآباء بمراقبة وتغيير البيئة المادية والاجتماعية المحيطة بالطفل لدعم الطفل في النشاط اليومي في أوقات الوجبات.
الخاتمة
تسلط هذه المقالة الضوء على مشكلات التغذية التي تصاحب الأطفال ذوي اضطرابات طيف التوحد والتي تؤثر على تناولهم الغذائي وسلوكهم وأوزانهم، فمن خلال مناقشة شاملة للعلاقة بين انتقائية الأكل واضطراب طيف التوحد ، وأوقات الوجبات، والتصنيف الدولي، لتقديم المساعدة النظرية والعملية للإدارة المستقبلية للتغذية لدى هذه الفئة تؤكد هذه المقالة على أهمية قيام مقدمي الرعاية الصحية بإنشاء دعم منزلي، والتكيف في الطرق التي تدير بها مشكلات التغذية، بما في ذلك استخدام العلاج عن بعد لدعم الأطفال وأسرهم بشكل أفضل داخل بيئة التغذية الخاصة بهم.
المرجع
Nandi, A. (2022, oct 14) Feeding and Swallowing Issues in Autism Spectrum Disorders https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC9579053/
كتابة: أ.ساره العقيلي ، أ.امل العسعوس ، أ.مهره العتيبي – أخصائيين في قسم تحليل السلوك التطبيقي – مركز التميز للتوحد
مراجعة: أ.حصه المسعود – مشرف تحليل السلوك التطبيقي – مركز التميز للتوحد