في دراسة نشرت في شهر أغسطس في مجلة the American Academy of Child and Adolescent Psychiatry كشفت عن وجود اختلافات في السلوكيات المقيدة والتكرارية لدى الأطفال من ذوي التوحد وفقاً لاختلافات فردية كالعمر والجنس والأداء الإدراكي ومستوى اللغة وضعف التواصل الاجتماعي.
قام الباحثون بتحليل بيانات من عينة تتكون من 17581 طفل ومراهق من ذوي التوحد ممن تقل أعمارهم عن 18 عامًا من مؤسسة the Simons Foundation Powering Autism Research for Knowledge (SPARK) cohort . وقد طلب من الوالدين ومقدمي الرعاية الإجابة على استبيان قياس السلوكيات التكرارية the Repetitive Behavior Scale—Revised (RBS-R لقياس خمس محاور أساسية للسلوكيات التكرارية وهي : السلوكيات الحركية التكرارية وسلوكيات إيذاء النفس والسلوكيات القهرية وسلوكيات الإصرار على التشابه والاهتمامات المقيدة. كما أعطى مقدمو الرعاية معلومات حول الأداء الإدراكي للطفل وقدراته اللغوية والضعف في التواصل الاجتماعي التي يعاني منها.
وقد أظهر تحليل البيانات أن الذكور أكثر عرضة للسلوكيات الحركية التكرارية الشديدة والاهتمامات المقيدة. وبالمقابل فإن الإناث أكثر عرضة لسلوكيات إيذاء النفس والسلوكيات القهرية. أما مجال سلوكيات الإصرار على التشابه فلم تسجل أي فروق بين الجنسين.
كما أظهرت التحاليل الأخرى أن هناك علاقة عكسية بين السلوكيات الحركية التكرارية و مستوى الأداء الإدراكي واللغة والعمر، مما يعني أنها أكثر شدة بين الأطفال الأصغر سنًا الذين يعانون من انخفاض معدل الذكاء والمهارات اللغوية.
وبالمقابل فإن سلوكيات الإصرار على التشابه والاهتمامات المقيدة تكثر بين الأطفال الأكبر سناً ممن لديهم مستويات أعلى من الأداء الإدراكي. وهما مجالان يزيدان مع التقدم بالعمر حتى الوصول لعمر الثامنة أو العاشرة، حيث تنخفض كلما أصبحت لغة الطفل وقدراته الإدراكية أكثر تعقيدًا. وترجح هذه النتائج أن سلوكيات الإصرار على التشابه والاهتمامات المقيدة مرتبطة على الأرجح بالتأخير في تطوير مهارات الأداء التنفيذي. كما تدعم النتائج ما تم تأكيده مسبقاً في أن سلوكيات الإصرار على التشابه هي بمثابة آلية مبكرة من آليات المواجهة التي تساعد الأطفال من ذوي التوحد على تخفيف مخاوفهم من عدم القدرة على التنبؤ في البيئة من حولهم.
وبالمثل يبدو أن سلوكيات إيذاء النفس تبدأ بالتزايد مع التقدم بالعمر حتى تصل ذروتها بين عمر 10 -12 سنة، ومن ثم تبدأ بالتناقص بشكل ملحوظ. وقد تم الربط بين هذة السلوكيات وانخفاض الأداء الإدراكي و المستوى اللغوي، ولذا فإن تكرار هذا السلوكيات يقل مع تطور المستوى اللغوي.
أما السلوكيات القهرية فقد تم ربطها مع ارتفاع مستوى الذكاء والأداء اللغوي. حيث كشفت الدراسة أن تكرار حدوث السلوك القهري مرتبط ارتباطًا وثيقًا بتطور اللغة، فتزداد السلوكيات القهرية بشكل ملحوظ بمجرد انتقال الأطفال من عدم وجود كلمات إلى كلمات مفردة، ثم تتناقص مرة أخرى عندما ينتقلون من الجمل القصيرة إلى الجمل الطويلة. وبعد بلوغ الطفل سن الخامسة ينخفض مستوى السلوك القهري بشكل بسيط حتى بلوغه سن العاشرة ومن ثم ينخفض بشكل ملحوظ حتى عمر 16 سنة.
وبصفة عامة فإن شدة الضعف في المهارات الاجتماعية والتواصلية ساهمت إلى شدة زيادة السلوكيات التكرارية. وقد كان لها التأثير الأكبر في سلوكيات الإصرار على التشابه وتأتي السلوكيات الحركية التكرارية في المرتبة الثانية مع السلوكيات القهرية والاهتمامات المقيدة وسلوكيات إيذاء النفس.
تظهر هذه النتائج أن السلوكيات المقيدة والتكرارية تختلف وتتشعب أكثر مما كان متوقعاً في السابق، كما توضح بأنة بعض هذه السلوكيات تلتقط بشكل غير صحيح بما نملكه من أدوات حالياً. وأن فهم تأثير العوامل السكانية والنمائية والخصائص الإكلينيكية على هذه السلوكيات من شأنه أن يساعد الباحثين في تقييمها بشكل أفضل ومن ثم تطوير تدخلات فعالة لتطوير جودة حياة الأشخاص من ذوي التوحد.