الأطفال والبالغون من ذوي التوحد أكثر عرضة لنمط الحياة غير النشط وزيادة الوزن مقارنة بغيرهم. قد تكون هناك أسباب متعددة لذلك، لكن هناك أمر واحد واضح: يواجه الأشخاص من ذوي التوحد تحديات فريدة فيما يتعلق باللياقة البدنية. من أكثر السمات الأساسية للتوحد هي الصعوبات الاجتماعية، والتواصلية، والحسية، والسلوكية يمكن أن تجعل من المشاركة في لعبة كرة القدم أو لعب كرة السلة في النادي تحديًا كبيرًا. إضافة إلى ذلك، يعاني العديد من الأشخاص من ذوي التوحد من مشكلات في المهارات الحركية ، مثل التوازن. وتُعتبر التحديات الحركية شائعة في التوحد، لكنها “غير مشخّصة بشكل كافٍ وغالبًا لا يتم التعامل معها بشكل مناسب”، بحسب بعض الباحثين.
في الواقع، غالبًا ما تبدأ المشكلات الحركية في مرحلة الطفولة المبكرة. فقد يتأخر الطفل من ذوي التوحد في الجلوس أو الحبو أو المشي، أو يحقق هذه المهارات بطرق غير معتادة. يقول الدكتور بول هـ. ليبكن Dr. Paul H. Lipkin ، طبيب في النمو العصبي للأطفال في معهد كينيدي كريغر وأستاذ طب الأطفال بجامعة جونز هوبكنز: “من الشائع جدًا أن يُلاحظ الأهل تأخرًا في المهارات الحركية لدى الأطفال المصابين بالتوحد قبل ملاحظتهم للتأخرات الاجتماعية والتواصلية.” أما في الأطفال الأكبر سنًا، فقد تشمل الأعراض صعوبة في استخدام الملعقة أو فرشاة الأسنان أو القلم؛ أو ركوب الدراجة؛ أو إغلاق الأزرار. وقد تظهر طريقتهم في المشي بأنها غير متزنة وغير معتادة. ووفق تحليل شمل أطفالًا و مراهقين ضمن دراسة SPARK للتوحد، وُجد أن 87٪ منهم يعانون من مشكلات في التوازن والتنسيق الحركي. وقد شمل التحليل بيانات ما يقارب 12,000 مشارك تتراوح أعمارهم بين 5 و15 عامًا.
مقارنة المهارات الحركية بين الشباب من ذوي التوحد وغير المصابين بالتوحد:
في دراسة أخرى، أُجريت مقارنة لاختبار المهارات الحركية بين أطفال مصابين بالتوحد وآخرين من ذوي النمو الطبيعي وأطفال يعانون من اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD). سجل الأطفال المصابون بالتوحد أدنى الدرجات في مهارات التوازن والإمساك بالكرة. وقد أعطوا أولوية أقل للمعلومات البصرية عند محاولة الإمساك بالكرة، واعتمدوا أكثر على الإشارات القادمة من عضلاتهم.
وقد اقترح بعض الباحثين أن صعوبات “التخطيط الحركي” قد تكون شائعة في التوحد ويُقصد بالتخطيط الحركي معرفة ما تريد أن يفعله جسمك وتنسيق حركاتك لتنفيذ ذلك. مثلًا، قبل أن تلتقط كرة من الأرض، تخطط للانحناء، والإمساك بالكرة بيديك، ورفعها إلى صدرك، ثم الوقوف مجددًا. ومع ذلك، لا تُعتبر التحديات الحركية سمة أساسية للتوحد من وجهة نظر الأطباء، وبعض الأفراد من ذوي التوحد يتمتعون بمهارات رياضية جيدة بالفعل.
اللياقة البدنية ومشكلات السمنة لدى الأفراد ذوي التوحد:
قد تؤثر المهارات الحركية على مستوى النشاط البدني، والذي بدوره قد يؤثر على الوزن. فمنذ سن الطفولة المبكرة، يكون الأطفال من ذوي التوحد أكثر عرضة لزيادة الوزن أو السمنة مقارنة بغيرهم في الولايات المتحدة. كما أنهم أقل نشاطًا بدنيًا. ويستمر هذا النمط مع التقدم في العمر. فالمراهقون من ذو التوحد أقل احتمالًا لممارسة الرياضة، وأكثر عرضة لزيادة الوزن والسمنة مقارنة بأقرانهم من غير المصابين بالتوحد. وتزداد هذه الفجوة لدى من لديهم احتياجات دعم أكبر.
كما أن البالغين من ذوي التوحد لديهم معدلات أعلى من السمنة، فضلًا عن مشكلات صحية ترتبط بها مثل السكري، وارتفاع الكوليسترول، وارتفاع ضغط الدم. وأظهرت دراسة شملت بالغين من ذو التوحد تتراوح أعمارهم بين 18 و77 عامًا من المشاركين في دراسة SPARK أن 73٪ منهم كانوا يعانون من زيادة الوزن أو السمنة، وهما من عوامل خطر أمراض القلب.
هناك العديد من النظريات حول سبب شيوع السمنة بين الأفراد من ذوي التوحد. فبعضهم يتناول أدوية (مثل بعض مضادات الذهان) التي قد تؤدي إلى زيادة الوزن. لكن الدراسة لم تجد علاقة مباشرة بين هذه الأدوية ومشاكل الوزن، بل وُجد ارتباط بينها وبين مرض السكري فقط. كما أن العديد من الأشخاص من ذوي التوحد لديهم تفضيلات غذائية محدودة للغاية، وقد يصرون على تناول عدد قليل جدًا من الأطعمة ذات السعرات الحرارية العالية.
العوائق التي تمنع الأفراد من ذوي التوحد من ممارسة الرياضة:
يواجه بعض الشباب من ذوي التوحد عوائق تعيق مشاركتهم في الأنشطة الرياضية. السلامة، مثلًا، تُعد أحد هذه العوائق. إذ أن قرابة واحد من كل أربعة أطفال من ذو التوحد يهرب أو يتجول بعيدًا عن الأماكن الآمنة في كل عام، مما قد يعرضهم للخطر. وقد يضطر الأهل لحصر الطفل داخل المنزل حفاظًا على سلامته.
وقد تكون هناك عوائق أخرى مثل صعوبة فهم قواعد الألعاب، أو إيجاد أقران يتقبلون اختلافاتهم. فممارسة الرياضة تتطلب غالبًا اتباع تعليمات معقدة، والانتظار للدور، والتفاعل مع العديد من اللاعبين دفعة واحدة.
بعض الشباب من ذوي التوحد قد يواجهون صعوبة في فهم تعليمات المدربين بشكل دقيق بسبب تفسيرهم الحرفي للغة. تقول جاس (12 سنة) من كندا، والتي شاركت في دراسة حول النشاط البدني لدى المراهقين من ذوي التوحد: “عندما كنت صغيرة وشاركت في التاي-بول، قال لي المدرب أن أُبقي عيني على الكرة، لذا وضعت عيني فعليًا على الكرة. واتضح لاحقًا أن هذا ليس ما كان يقصده.” وأضافت: “أجد النشاط البدني مرهقًا أحيانًا لأنه يحتوي على معلومات جديدة كثيرة يجب تذكرها دفعة واحدة.”
يتعلم معظم الأطفال تفاصيل الرياضة، من التحية إلى قواعد التسلل في كرة القدم، في حصة التربية البدنية. لكن هذه الحصص غالبًا ما تكون صاخبة وسريعة الإيقاع ومزدحمة، مما قد يكون مرهقًا جدًا للأطفال ذوي التوحد. كما قد يصعب الحصول على تعليم فردي وسط 30 طالبًا في الصف.
وأفاد بعض المراهقين بأنهم تعرضوا للتنمر أو الاستبعاد في حصص التربية البدنية أو في الملعب، بحسب دراسة كندية. قال آلان (12 سنة): “من الصعب الاستمتاع بالنشاط البدني عندما يتم التنمر عليك طوال الوقت. تتعلم ببساطة أن تكره الحركة.”
جعل النشاط البدني ممتعًا للطلاب من ذوي التوحد:
براين واجنر، معلم تربية خاصة في ولاية ماريلاند، يدرك جيدًا التحديات التي يواجهها الطلاب من ذوي التوحد في حصص الرياضة. عمل واجنر معلمًا للتربية البدنية في مدرسة كينيدي كريغر الثانوية، وهي مدرسة غير حكومية مخصصة للطلاب ذوي الاضطرابات النمائية، قبل أن يصبح نائب المدير فيها.
يقول إن بعض طلابه جاؤوا من مدارس لم يحصلوا فيها على الدعم أو التعديلات المناسبة التي وفرها لهم في صفوفه الصغيرة. وغالبًا ما كان يسمع أن الطالب الجديد “يكره” حصة الرياضة. ربما في مدرسته السابقة، واجه صعوبة في تعلم المهارات أو فهم قواعد اللعبة، بينما أصبح زملاؤه غير صبورين. “يعتقد هؤلاء الطلاب: ‘لا أستطيع فعل ذلك، فلماذا أحاول أصلاً؟’” لمساعدتهم، كان واجنر يُقسّم المهارات الحركية المعقدة إلى خطوات صغيرة ويُعلمها تدريجيًا. كما كان يعدّل قواعد اللعبة حسب الحاجة لدعم من يواجهون صعوبات في تذكرها. وبهذه الطريقة، سعى لجعل النشاط البدني ممتعًا.
نصيحته: “اقبل جميع الأطفال كما هم اعرف نقطة بدايتهم أولًا و ابنِ علاقة قبل التركيز على المهارات واللياقة، وطور المهارات بوتيرة تحافظ على مشاركة الطفل. إنها ماراثون، وليست سباقًا قصيرًا.”
الدعم في حصة التربية البدنية وخارجها:
ينص قانون التربية الخاصة في الولايات المتحدة على أن يحصل الطلاب ذوو الإعاقات على حصة التربية البدنية، وإذا لزم الأمر، على تربية بدنية خاصة أو معدلة، حيث يقوم المعلم بتعديل طريقة التدريس أو الأدوات أو البيئة لتناسب احتياجات الطالب. ويحدد فريق التربية الخاصة، الذي يُعد الأهل جزءًا منه، مدى الحاجة لهذا الدعم. ويمكن للأهل طلب النظر في هذا الخيار، إلى جانب العلاج الوظيفي أو العلاج الطبيعي إذا لزم الأمر.
عادة ما يعمل معالجو العلاج الوظيفي على المهارات الحركية الدقيقة مثل مهارات اليد، بينما يركز معالجو العلاج الطبيعي على المهارات الحركية الكبرى مثل المشي والجري والقفز. وللمحافظة على اللياقة، ينصح واجنر بإدخال الحركة في روتين اليوم والبحث عن أنشطة تثير اهتمام الطالب. “التحدي هو أن نُشعر الطفل بالحماس”، كما يقول.
وجدت الدراسة الكندية أن المراهقين من ذوي التوحد أكثر احتمالًا لممارسة النشاط البدني إذا وجدوا فيه معنى، “وإحساسًا بالهوية”، ومتعة. قال دانيال (13 عامًا): “ممارسة التايكواندو تساعدني أن أكون نفسي، وحتى عندما أبدأ في الهز أو ضرب رأسي، لا أشعر بأن الناس دائمًا يحكمون عليّ، لأنهم فقط يفهمون الأمر.”
وقال فتى آخر يبلغ 14 عامًا إن تمشية كلبه تأخذه إلى “مكانه السعيد”. وأضاف: “النشاط البدني هو الوقت الوحيد الذي أشعر فيه بالحرية. حرية من أن يُقال لي دائمًا ماذا أفعل، وكيف ومتى. حرية من المعلمين والمعالجين والأهل الذين يوجهونني كيف أعيش حياتي. حرية من الروتين اليومي للمدرسة والمنزل والواجبات والعزلة والتنمر.” “كوني نشيطًا يسمح لي ببساطة أن أكون… أنا.”
في نهاية المطاف، لا يقتصر النشاط البدني على بناء العضلات أو حرق السعرات الحرارية، بل يمكن أن يكون وسيلة قوية لبناء الثقة بالنفس، والشعور بالانتماء، والتعبير عن الذات. ومن خلال فهم التحديات الفريدة التي يواجهها الأفراد من ذوي التوحد، وتوفير بيئات داعمة وتفاعلية، يمكننا فتح أبواب جديدة للحركة ليس فقط للأجساد، بل للقلوب والعقول أيضًا. فكما قال أحد المراهقين: “كوني نشيطًا يسمح لي ببساطة أن أكون… أنا.”
لتسجيل ابنك أو ابنتك في خدمات تحليل السلوك التطبيقي في مركز التميز للتوحد على الرابط التالي (هنا)
المصدر:
SPARK for Autism. (2024). The Challenge of Physical Fitness for People with Autism. Retrieved from https://sparkforautism.org/discover_article/the-challenge-of-physical-fitness-for-people-with-autism/
ترجمة: د. رفيف السدراني – رئيس قسم المحتوى والتوعية في مركز التميز للتوحد