أسس ومبادئ التأهيل
يقوم التأهيل المعاصر لذوي الاحتياجات الخاصة على مجموعة من الأسس والمبادئ التي تستند إليها إجراءات التأهيل المهني لمساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة في الحياة العادية والاندماج فيها بأعلى درجة من التوافق. وهذه الأسس والمبادئ هي التي تحدد لنا فلسفة التأهيل وبرامجه وهي:
الطبيعة الكلية للفرد :
يقصد بهذا المبدأ عدم النظر للفرد الذي يعاني من إصابة ما على أنه يتكون فقط من أجزاء بدنية وعقلية ونفسية واجتماعية واقتصادية، بل أنه ذو حاجة خاصة يحيا ويعمل ولديه أحاسيس ومشاعر وقدرات. هذه النظرة الكلية للفرد تجعلنا ندرك أن عملية النمو عملية مستمرة، وأن كل مرحلة من مراحل حياة الفرد تتأثر بما قبلها من مراحل كما أنها ترتبط بالمراحل التالية لها وتؤثر فيها.
حق تقرير المصير:
لكل إنسان الحق في تقرير ما يتصل بحياته الشخصية طالما كان قادرا على تحمل مسؤولية الحكم على الأمور، ويعني ذلك أن للفرد الحق في اتخاذ القرارات المتعلقة به وتحديد أهدافه الخاصة.
الحق في المساواة:
ويهدف هذا المبدأ إلى التأكيد على مسئولية المجتمعات في بذل كل ما يمكن نحو إعداد وتنفيذ البرامج التأهيلية المناسبة التي تساعد ذوي الاحتياجات الخاصة على الدخول إلى حياة المجتمع، والاشتراك فيها بقدر ما يستطيعون والاستفادة منها بقدر ما يحتاجون والإحساس بكرامتهم .
المشاركة في حياة المجتمع :
تكمن أحد المبادئ الهامة التي توجه عملية التأهيل المهني لذوي الاحتياجات الخاصة وتحدد الهدف الرئيسي في مساعدتهم على تنمية طاقاتهم كي يشاركوا في حياة المجتمع ومساعدتهم في الدخول إليها وتذليل العقبات من أمامهم.
التركيز على جوانب القدرة :
تتطلب جميع المهام البدنية والأنشطة والأعمال قدرات محددة للقيام بها مما يستلزم تنمية هذه القدرات والاستفادة منها في الوقت الذي يتم فيه تجاهل جوانب العجز الناتجة عن القصور. ويتبع العاملون في التأهيل المهني هذا المبدأ لدى العمل مع ذوي الاحتياجات الخاصة حيث يكون تركيزهم على جوانب القوة لدى الفرد واعتمادها كبداية للتعامل مع العجز بدلا من الاستسلام له.
الاهتمام بتعديل البيئة :
لا يمكن أن ننكر دور البيئة في زيادة الأثر المترتب على القصور البدني أو العقلي والذي يعرف بالإعاقة. ففي السنوات الأخيرة بدأ التركيز على ضرورة إجراء تعديلات على البيئة لتسهيل دخول الفرد إليها.
كرامة الإنسان:
تعد الكرامة جزءا من تكوين الإنسان وشخصيته وهي كما يراها البعض في قمة تكوين الإنسان وحولها تدور حياته ومن خلالها وبسببها تتكون انفعالاته ودفاعاته. ومن هذا المبدأ ينطلق التأهيل الذي يدور أساسا حول إعادة الكرامة للفرد ذي الحاجة الخاصة، ويصبح بذلك حقا لكل إنسان ويترتب عليه اعتباره واجبا على كل من يعمل معه في تقبله بصرف النظر عن جنسه أو لونه أو درجة العجز التي وصل إليها أو سبب حدوثها.
ويعد الاهتمام بفردية الشخص والنظر إليه باعتباره وحده واحدة قائمة بذاتها ومتفردة في خصائصها، من المبادئ الهامة في التأهيل المهني لذوي الاحتياجات الخاصة. ويترتب على مبدأ الفردية أن يكون لكل فرد قيمة ذاتية، وأن يتم التركيز على جوانب القوة لديه وتعزيزها والعمل على تنميتها، وأن يكون العمل معه على أساس خطة فردية مرنة (مرسي، 1975، القريوتي والبسطامي، 1995، القريوتي، 1999 ).
مراحل التهيئة المهنية:
ويمكن تقسيم مراحل التهيئة المهنية إلى ثلاثة مراحل هـي:
المرحلة الأولى (يمكن أن تسمى بمرحلة التهيئة الاجتماعية):
وهذه المرحلة عامة وتبدأ مبكرة يتزود خلالها الفرد بمهارات اجتماعية وأكاديمية ورياضية عامة تساعده على الاستعداد للمراحل المقبلة. ويمكن أن تتضمن هذه المهارات:
- التدرب على استعمال المواصلات، بدءا من معرفة اتجاهات السير واستخدام وسائط النقل، وشراء تذاكر الباصات وقراءة أرقام الباصات..الخ.
- التدرب على استعمال النقود والتعامل معها ، كشراء الأشياء وبيعها وفتح حساب في البنك، ومعرفة أسعار الحاجيات.
- الاشتراك في البرامج الاجتماعية والترويحية والرياضية، كالاشتراك في الحفلات والمخيمات الكشفية والأنشطة الرياضية .
- التدرب على المواظبة والترتيب والاتصال.
وتختلف هذه المهارات من فئة إعاقة إلى أخرى. فالمهارات التي تقدم للمعوقين جسديا تختلف عن المهارات التي تقدم للمعوقين سمعيا أو بصريا أو عقليا. فتعليم المعوقين بصريا على طريقة برايل في الكتابة والقراءة يقابلها تعليم النطق بالشفاه للمعوقين سمعيا، وتقوية عضلات المعوق جسديا بالعلاج الطبيعي يقابله تعليم فن وطرق الحركة والانتقال للمعوقين بصريا.. الخ.
وتعد هذه المرحلة عامة وغير موجهة نحو التهيئة المهنية بالذات بل تساعد الشخص الفرد إذا اكتسبها للتهيؤ لمجالات مهنية عديدة في المستقبل (الزعمط، 2000)
المرحلة الثانية:
وهي المرحلة التي يتم فيها تعليم الفرد على أساسيات مهن مختلفة ومعلومات عن مجموعة كبيرة من المهن التي يمكن أن تلائمه. يتم في هذه المرحلة تعريف الفرد بالمهن المختلفة وأهمية وفوائد كل مهنة، إضافة إلى الأدوات المستعملة في كل مهنة. بعد الانتهاء من هذه المرحلة يكون الفرد قد شكل فكرة عامة عن معظم المهن المناسبة له وبدأت ميوله تتحدد وتتجه نحو مهنة معينة يرغب في تعلمها والتدرب عليها.
المرحلة الثالثة:
في هذه المرحلة يتم تهيئة الفرد على مهنة معينة كان قد اختارها خلال المرحلة الثانية، وفيها تستعمل الأدوات المتعلقة بالمهنة بحيث يتم من خلالها التدرب على المهارات المختلفة للمهنة والعمل.
وتمثل فترة التهيئة المهنية أهمية واضحة يتم من خلالها تزويد الأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة قبل اختيار المهنة المناسبة لهم والتدريب المهني عليها، بالمهارات اللازمة والأساسية التي تمكنهم من البدء في اختيار المهنة بشكل صحيح ومناسب لهم بعد معرفة ميولهم المهنية، وقدراتهم المهنية، وتكوين الحس العملي وتعريفهم على بعض المهن التي يمكن أن يجدوا منها مهنة مناسبة لهم، مما يمهد الطريق بشكل إيجابي لنجاح عملية التوجيه المهني، والتدريب المهني بالإضافة إلى عملية التقييم المهني (عبد الحي،2000).
ثقافة التهيئة المهنية:
تعد الثقافة المهنية المقدمة للأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة أحد أهم مكونات مرحلة التهيئة المهنية. وتشتمل الثقافة المهنية كما أشار(عبد الحي، 2001) على تزويدهم بمعلومات حول:
- بيان أهمية العمل، ولماذا نعمل، وأثر ذلك على حياة الإنسان، وأن العمل هو مصدر الدخل الطبيعي لكل إنسان يريد أن يعيش على نحو مستقل.
- أن اختيار مهنة مناسبة يحتاج إلى تدريب وجهد متواصل.
- ليست جميع المهن مناسبة للأفراد المعاقين، فهناك مهن مناسبة لهم وأخرى غير مناسبة.
- أن العمل في مهنة ما له قواعده، وسلوكياته، ومهاراته، مثل الحضور، والمواعيد، انجاز العمل، الأمانة، الفشل، النجاح، المكسب، الخسارة.
- هنالك اختلافات كبيرة بين الأعمال التجارية، والأعمال الزراعية، والأعمال الصناعية، والأعمال الكتابية، والأعمال الأكاديمية. ولكل عمل طبيعته التي تتناسب وميول كل فرد يرغب في العمل ، وأثر الإعاقة على ذلك.
- أن لكل عمل مشكلاته ومميزاته وسلبياته.
ولتحقيق غايات الثقافة المهنية وأهدافها، فانه يمكن إجراء ما يلي:
- توفير زيارات ميدانية للمنشآت الصناعية والزراعية المتوفرة في البيئة المحلية.
- دعوة أصحاب العمل ممن يمثلون تخصصات مختلفة للتعريف بطبيعة أعمالهم.
- دعوة بعض الآباء للتحدث عن مهنهم وطبيعتها.
- تصميم مجلات حائط بالصور تضم مهنا مختلفة، والرد على أسئلة الطلاب
- إجراء مسابقات بين الطلبة عن خصائص المهن.
- تقديم لقاءات إرشادية لمناقشة صلة الإعاقة بالمهن المختلفة.
- دعوة بعض الأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة المميزين للتحدث عن نجاحهم في العمل.
معيقات التهيئة المهنية:
قد تتأثر مرحلة التهيئة المهنية بعدد من المعيقات المرتبطة بعملية التأهيل المهني وكذلك بسوق العمل. ومن جملة هذه المعيقات ما يلي:
- انحصار عمليات إعادة التأهيل والتدريب على الفرص المهنية المتاحة بالمدارس والمراكز التعليمية وعدم انفتاحها على إمكانيات المجتمع الحقيقية.
- التردد في قبول ذوي الاحتياجات الخاصة كأعضاء لهم نفس الحقوق والتطلعات من جانب العاديين. فمعظم الأفراد العاديين لديهم اتجاهات سالبة نحو ذوي الاحتياجات الخاصة عموما.
- لا يحبذ أصحاب العمل تطبيق نظم الحصص التي تلزمهم باستخدام نسبة مئوية معينة من القوى العاملة من ذوي الاحتياجات الخاصة.
- أن أكثرية الأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة يعيشون في مناطق ريفية بعيدة عن المدينة التي تتوفر فيها معظم فرص العمل.
- مازال الفرد المعاق يقبل بدور سلبي في برنامجه التأهيلي كمن يتلقى صدقة.
- الموقف السلبي لبعض الأسر تجاه تشغيل الأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة وخصوصا النساء منهم. فبالرغم من أن عملية التصنيع الأوتوماتيكية قد قللت الأعمال المرهقة والشاقة، مما وفر فرص التشغيل للنساء المعوقات والحصول على فرص عمل أكثر، إلا أن بعض الأسر ما زالت تعاني من وصمة العار والخوف الشديد من المشكلات التي تواجه تشغيل ذويهم.
- عدم التعامل مع إعادة دمج ذوي الاحتياجات الخاصة بطريقة شاملة من خلال نظام كامل من التدابير العلاجية والنفسية والاجتماعية والمهنية (عبد الحي، 2001).
في الختام يمكن لنا القول أن عملية التأهيل المهني ضرورة ملحة واستكمال للمسار التعليمي من أجل إكتساب المهارات والحصول على عمل والنجاح فيه، فهي عملية تفاعلية حية مبنية على التواصل الإنساني قبل البرامج والتجهيزات، كما أنه من الضرورة إيجاد برامج توظيف فعالة وضمان المتابعة بعد التوظيف للتأكد من مدى تكيفهم مع بيئة العمل وتأقلمه، ومساعدتهم في حل المشكلات،. كما أن برامج التأهيل المهني تساهم مساهمة فعالة في دفع عجلة التنمية الوطنية نظرا للمردود الناتج عن ذلك من خلال توفير اليد العاملة وتوجيه الطاقات المعطلة واستغلالها.
كتابة: أ. ساره الفايز – أخصائي تأهيل مهني – مركز التميز للتوحد
مراجعة: أ. عبدالله الدوسري – مشرف في قسم التأهيل المهني – مركز التميز للتوحد