نظرية التشفير التنبؤية لاضطراب طيف التوحد

نظرية التشفير التنبؤية لاضطراب طيف التوحد

تقول نظرية التشفير التنبؤية أن تجربتنا في العالم تأتي من داخلنا. بحيث تنتج أدمغتنا نموذج للعالم يتنبأ بما سوف نراه، نسمعه، نلمسه، نشمه، ونتذوقه. مهمة حواسنا هي التحقق من تنبؤاتنا للتأكد من أن نموذجنا الداخلي لا ينحرف بعيدًا عن الواقع. 

وتسمى النظرية أيضًا بنظرية المعالجة التنبؤية أو “Bayesian brain” “الدماغ البايجن” للإشارة إلى أن أسسها رياضية.

الذين يؤيدون النظرية لا يطبقونها للمعرفة فقط، ولكن أيضاً للعواطف (المشاعر)  و الإدراك والتحكم الحركي. لذلك، نحن نحرك ذراعنا لأننا نتنبأ أننا سنحركه، والجسم يجعل التنبؤ حقيقة. 

نظرية التشفير التنبؤية للتوحد تقترح أن دماغ الشخص ذو اضطراب طيف التوحد لا يشكل تنبؤات دقيقة أو أن المدخلات الحسية تتجاوز هذه النماذج التنبؤية الداخلية. نتيجة لذلك، يصبح الشخص منهم شديد الحساسية للمدخلات الخارجية وغير قادر على ضبطها. حيث يجدون صعوبة في معالجة الإشارات (التلميحات) الاجتماعية والتواصل في الوقت المناسب لتوليد استجابة مناسبة، لأن نماذجهم الداخلية لكيفية تصرف الناس لم تتشكل بشكل جيد.

وبهذه الطريقة، يمكن للتشفير التنبؤي أن يفسر الصعوبات الاجتماعية والحسية وغيرها من صعوبات التوحد. 

هنا نوضح النظرية ونذكر المعلومات التي تدعمها.

كيف تنطبق النظرية على اضطراب طيف التوحد؟  

نظرية التشفير التنبؤية وضعت إطار التوحد كفرق في منحنى التعلم الدماغ،  حيث يشمل التعلم كل شيء من فهم مشهد بصري معقد إلى الدراسة بشكل مكثف في وقت قصير لاختبار في مادة التاريخ مثلاً.  

وفقًا للنظرية، تحدد المتغيرات المعروفة باسم “الدقة” الوزن الذي يعطيه الدماغ إلى التناقضات بين المدخلات الحسية وتوقعاتنا. فإننا عندما نتعلم شيئًا جديدًا، يطلب الدماغ الدقة ويستخدم المدخلات لتشكيل نموذج. عندما يحكم الدماغ على أن النموذج قد اكتمل، ويتوقف عن طلب الدقة، على افتراض أن أي تعارضات أخرى هي اختلافات عشوائية يمكن أن تتجاهل بأمان. 

النمذجة الهرمية: هي نظام مرئي، على سبيل المثال: يبدأ بالتفاصيل الهندسية وينتهي إلى الميزات العالمية والتجريدية.

من الناحية البيولوجية، يعدّل الدماغ الدقة عن طريق تحويل نسب الرواسب الكيميائية المرسلة مثل الجلوتامات، الدوبامين و نورإبينفرين. كأن نشعر بالدهشة، ثم الرضا من السيطرة، وأخيرا الملل.  

في التوحد، الفكرة هي، أن الدماغ يكون أبطأ في إعادة ضبط الدقة. حيث يبقى متناغماً مع التفاصيل ولكنه يجد صعوبة في التعميم. يمكن أن تشرح النظرية سبب وصف الأشخاص ذوي اضطراب طيف التوحد بزيادة في الإثارة الحسية  والدهشة دائماً، ولماذا يفضلون الروتين ولماذا يواجهون صعوبة في التعرف على الآخرين.   

ماهو الدعم التجريبي؟ 

في كل من الحياة اليومية والتجارب المخبرية، يكون الأشخاص ذوي اضطراب طيف التوحد بطيئين في ضبط الضوضاء المحيطة بهم  وأيضاً بطيئين في  التقاط كل ماهو جديد في بيئتهم. يبدو الأمر كما لو كانوا أقل التزاماً بالتوقعات السابقة.  قياسات الدماغ و استجابات الجلد للمعلومات الحسية تبين أنهم لا يعتادون  بسهولة إلى المحفزات المتكررة أو السريعة. كما أنهم أقل قدرة على إدراك  البصريات والأوهام المتعددة الحواس التي تخالف التوقعات. 

إحدى التجارب استخدمت مهمة التعلم لدراسة كيفية تفسير الدماغ لدى الأشخاص ذوي اضطراب طيف التوحد للأنماط المتغيرة. حيث يحدث الباحثون صوت صفير يكون  عاليًا أو منخفضًا، و في نفس الوقت يظهرون صورة لوجة أو لمنزل، ويطلبون من المشاركين الضغط على زر “الوجه” أو “المنزل”. في أول التجربة، تسبق المنزل نغمة عالية، ولكن لاحقاً، تسبق المنزل نغمة منخفضة. العلاقة ليست مثالية أبدًا، فقط احتمالات أعلى  لنغمة واحدة أو أخرى. وبالتالي، ليس من الواضح ما إذا كان الفاصل في النمط يمثل استثناء أو قاعدة جديدة. 

الأشخاص ذوي التوحد أبطأ في المهمة بشكل عام، ولكن أسرع في الملاحظة  عند تغيير النمط، مما يشير إلى أنهم يتوقعون التغيير على عكس التشبث بنمط.   

ليس من الواضح ما إذا كانت الصعوبة التنبؤية تتمثل في تشكيل التوقعات أو بالإدراك الذي يتجاوز تلك التوقعات. على ما يبدو أن التجارب تؤيد الخيار الثاني. 

في بعض الدراسات، يتعامل الأشخاص ذوي اضطراب طيف التوحد مع المهام التنبؤية – التعود على المثيرات المتكررة، والاستجابة لبعض أنواع الأوهام و الأنماط المميزة التي تتكشف مع مرور الوقت، بسهولة كما يفعل الأشخاص الطبيعيين. والأكثر من ذلك، أن اتجاه العلاقة السببية ليس واضحًا: فبدلاً من التحدث عن المشكلات المتعلقة بالتنبؤ  فإنه يبحث عن السبب، يمكن أن يكون السبب في مفهوم الإدراك الاجتماعي عند الشخص، قد تغيّر الصعوبات الاجتماعية تطوير النماذج الداخلية عند الشخص.

كيف يرتبط التشفير التنبؤي بنظريات أخرى لاضطراب طيف التوحد؟ 

يتداخل التشفير التنبؤي مع فرضيات التوحد الأخرى. بعض الباحثين يشيرون إلى أنه في الأشخاص ذوي اضطراب طيف التوحد، الدماغ يركز بشكل كبير للغاية على التفاصيل و يكون أبطأ في رؤية الصورة الكبيرة. أيضًا يشير إلى أن دماغ الشخص ذو اضطراب طيف التوحد يواجه صعوبات من أجل وضع تنبؤات عامة، مثلاً  يجد صعوبة في تقسيم نوايا الآخرين؛ تتفق هذه الفكرة مع النظرية التي تقول بأن الأشخاص ذوي اضطراب طيف التوحد يعانون مع “نظرية العقل”.

هل التشفير التنبؤي يقدم نظرة ثاقبة في ظروف أخرى؟

التشفير التنبؤي قد يساعد في فهم الروابط بين التوحد والحالات الأخرى، وعلى الأخص اضطراب انفصام الشخصية. عند الأشخاص ذوي  اضطراب طيف التوحد يعطي الدماغ الكثير من الوزن للمدخلات الحسية، بينما الدماغ في اضطراب انفصام الشخصية يعطي القليل جداً للمدخلات الحسية، فيتم منح الكثير من السيطرة للتوقعات الداخلية وتخفيف الارتباط بالواقع الخارجي. قد يفسر هذا التحيز الهلوسة في اضطراب انفصام الشخصية.
على الرغم من ذلك، فإن التوحد وانفصام الشخصية متشابهان من نواحي أخرى.  كلاهما قد يشمل على أوهام وهي معتقدات خاطئة على عكس الإدراك والفهم الخاطئ. يشير التشفير التنبؤي إلى أن الأوهام قد تحدث عندما تكون التوقعات ضعيفة للغاية والدماغ يصحح بإفراط، مما يتسبب في استخلاص الشخص لاستنتاجات كبيرة من أدلة ضعيفة.   

أيضاً، معدل إصابة الأشخاص ذوي اضطراب طيف التوحد بمرض باركنسون يكون عالي. بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من هذه الحالة، فإن المشكلات في تعديل “الدقة” تسبب أن يأخذ الدماغ قراراً بأن الحركة الجسدية قد اكتملت قبل الزمن المحدد، وهذا يؤدي إلى صلابة الحركة.

ماذا يعني نموذج التشفير التنبؤي لاضطراب طيف التوحد من الناحية العملية؟

إذا كان الدماغ عند الأشخاص ذوي اضطراب طيف التوحد يخلط بين المدخلات الحسية والتوقعات بشكل مختلف، فقد يكون الأشخاص المصابون بهذه الحالة قادرين على تعلم التعويض. على سبيل المثال: يمكن أن يساعدهم التدريب على تعلم كيفية تحويل تركيزهم من التفاصيل ذات المستوى المنخفض إلى التفاصيل ذات المستوى الأعلى.

[ratemypost]

لقد قرأت

شارك هذه المقالة

أحدث المقالات


 خصم التميز

خصم 20 % لعملاء بنك الرياض على جميع الخدمات و الدورات

استخدم معرف البطاقة