هل التوحد حالة واحدة أم أنماط متعددة؟ 

هل التوحد حالة واحدة أم أنماط متعددة؟ 

خلال السنوات الأخيرة، أصبح فهمنا للتوحد أسرع وأوضح من أي وقت مضى. لم يعد يُنظر إليه كتشخيص واحد شامل، بل كطيف واسع يضم أنماطًا مختلفة ومتنوعة. الأبحاث الحديثة، خاصة تلك التي تناولت مفهوم “التوحد بالغ الشدة”، أكدت أن التوحد يتكون من أنماط فرعية مميزة، لكل منها احتياجات وخصائص بيولوجية خاصة. هذا التوجه يثير تساؤلًا مهمًا: هل سيكون مصطلح “التوحد” وحده كافيًا في المستقبل، أم أننا بحاجة إلى تسميات أكثر دقة؟ 

في هذا المقال، سنستعرض معًا دراستين حديثتين سلطتا الضوء على هذا الموضوع من زاويتين مختلفتين: 

  • الأولى اعتمدت على السمات السلوكية
  • الثانية انطلقت من المؤشرات البيولوجية

كلا الدراستين اتفقتا على أمر واحد: التوحد ليس كيانًا واحدًا، بل يمكن تقسيمه إلى مجموعات مختلفة سلوكيًا وبيولوجيًا. 

النهج الأول: السلوك أولاً (دراسة SPARK) 

تُعد دراسة SPARK أكبر دراسة عن التوحد في العالم، إذ شملت أكثر من 380 ألف شخص، من بينهم 150 ألف شخص بالتوحد وأسرهم. هذه الدراسة جمعت بيانات وراثية (من عينات اللعاب) وبيانات سلوكية ونمائية (استبيانات وتاريخ طبي). 

وباستخدام خوارزميات حاسوبية متقدمة، تمكن الباحثون من تقسيم المشاركين إلى أربعة أنماط فرعية سلوكية

  1. النمط الاجتماعي السلوكي (37%): صعوبات كبيرة في التواصل والسلوكيات التكرارية، مع مشاكل في الانتباه وارتفاع مستويات القلق وفرط الحركة. 
  1. النمط المختلط مع تأخر نمائي (18-19%): تأخر لغوي وذكاء منخفض، مع سلوكيات تكرارية وإيذاء النفس، إضافة إلى بداية متأخرة للكلام والمشي.  
  1. النمط واسع التأثر (10%): أعلى مستوى من التحديات على مختلف الجوانب (تأخر لغوي، معرفي، سلوكيات مضطربة، إيذاء النفس). هذا النمط قريب من مفهوم “التوحد بالغ الشدة”. 
  1. النمط المعتدل (34%): صعوبات في المهارات الأساسية للتوحد، لكنها أقل حدة مقارنة بالمجموعات الأخرى، مع مستويات أقل من القلق والاضطرابات المصاحبة. 

اللافت أن هذه الأنماط لم تكن مجرد تقسيمات سلوكية فقط، بل وجدت الدراسة ارتباطات جينية واضحة بينها، حيث ظهر اختلاف كبير في الجينات المرتبطة بالتوحد، باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، بالاكتئاب، وبالتطور المعرفي. 

النهج الثاني: البيولوجيا أولاً (دراسة EU-AIMS LEAP) 

أما الدراسة الثانية فجاءت من أوروبا، ضمن مشروع EU-AIMS LEAP، حيث تابعت أكثر من 700 فرد على مدى طويل، وجمعت بيانات جينية وتصوير دماغي وبيانات سلوكية. 

وباستخدام تقنيات التحليل الحاسوبي، حدد الباحثون ثلاثة أنماط بيولوجية رئيسية ارتبطت بسلوكيات مختلفة: 

  1. مجموعة معتدلة: أعراض أقل. 
  1. مجموعة ذات أعلى حساسية حسية. 
  1. مجموعة ذات أعلى أعراض للتوحد. 

أوضحت النتائج أن الفروقات في التواصل الاجتماعي والسلوكيات التكرارية والحسية مرتبطة بتغيرات في مناطق محددة من الدماغ. كما بيّنت أن بعض الأشخاص قد تكون لديهم سمات خفيفة من التوحد دون أن تصل لدرجة التشخيص، وهذا ما يفسّر اختلاف نظرة الناس للتوحد: فالبعض يراه جزءًا من هويتهم، بينما يعتبره آخرون اضطرابًا يحتاج إلى تدخل. 

ما تكشفه هذه الدراسات هو أن التوحد ليس تشخيصًا واحدًا، بل مجموعة من الأنماط المختلفة في السمات والسلوكيات والبيولوجيا. وهذا يدفعنا للتفكير في الحاجة إلى تصنيفات وتسميات أكثر دقة، بدلاً من الاكتفاء بالمسمى العام “التوحد”. مثل هذا التوجه يمكن أن يفتح المجال أمام تقديم خدمات أكثر تخصيصًا ودعم أدق لكل مجموعة، بما يتناسب مع احتياجاتها الفريدة. 

لتسجيل ابنك أو ابنتك في خدمة التشخيص في مركز التميز للتوحد على الرابط التالي (هنا)    

المصدر: 

Autism Science Foundation. (2025, July 27). What labels should be used to describe autism? [Audio podcast episode]. In ASF Weekly Science Podcast. Retrieved August 24, 2025, from https://asfpodcast.org/archives/1910 

إعداد: د. رفيف السدراني – رئيس قسم المحتوى والتوعية في مركز التميز للتوحد 

إلى أي مدى كان هذا المصدر مفيد؟

متوسط التقييم 0 / 5. عدد المشاركات: 0