كتابة: مارينا ساريس
تاريخ النشر: 30 أكتوبر 2024
يتعرض المهتمون في مجال التوحد لكمٍ هائل من المعلومات حول الأبحاث والتدخلات والعلاجات والبرامج المتعلقة بالتوحد. وغالبًا ما تتضمن هذه المعلومات سواء عبر مقاطع الفيديو أو منشورات وسائل التواصل الاجتماعي أو المقالات – مصطلحات قد تعني أشياء مختلفة. في هذا المقال، تُجيب د. كيلي لو Dr. J. Kiely Law، مديرة عمليات البحث في دراسة SPARK حول التوحد، على بعض الأسئلة الشائعة حول ماهية البحث العلمي وما ليس منه. الدكتورة لو Law هي طبيبة وباحثة في التوحد، وأم لشخص بالغ من ذوي التوحد، وكانت قد شاركت في تأسيس مشروع بحثي إلكتروني عن التوحد يُدعى “الشبكة التفاعلية للتوحد” قبل انضمامها إلى SPARK.
ما المقصود بمصطلحات مثل “التدخل القائم على الأدلة” أو “الطب القائم على الأدلة”؟
يعني ذلك أن فكرة ما أو علاجًا ما قد خضع للاختبار العلمي، وأثبتت نتائج الاختبار صحة تلك الفكرة أو فاعلية ذلك العلاج. فكلما تكرر نفس الاختبار وظهرت نفس النتائج، زادت قوة الدليل على صحة الفكرة أو العلاج. على سبيل المثال، تخضع السيارات لسلسلة من الاختبارات للتأكد من سلامتها، والطب يعمل بطريقة مماثلة. العلم يعتمد على طريقة محددة لاختبار الفرضيات تُسمى “المنهج العلمي”، وتهدف إلى إزالة أي عوامل قد تُحرّف النتائج أو تؤثر عليها بشكل غير دقيق.
أحيانًا تنشر بعض الشركات شهادات شخصية من أفراد عن فاعلية منتج أو علاج معين للتوحد. هل هذا يُعد بحثًا علميًا؟
كلا. الشهادات الفردية، خاصةً عندما تُعرض لأغراض تسويقية، يجب أن تُؤخذ بتحفّظ شديد. فغالبًا لا تكون هذه المنتجات قد خضعت لاختبارات صارمة باستخدام المنهج العلمي.
هل يمكن أن تُستخدم الشهادات الشخصية مثل تجارب الأفراد من ذوي التوحد أو والديهم كجزء من البحث العلمي؟ وكيف يتم ذلك؟
نعم، بالتأكيد! الأشخاص الذين يعيشون مع الحالة لديهم أفضل فهم لتجربة الحياة اليومية معها. وعندما يُبلغ عدد كبير من الأشخاص عن تجارب أو مشكلات متشابهة، فإن ذلك يُرسل رسالة قوية للمجتمع البحثي. ولهذا السبب، تجمع مشاريع مثل SPARK بياناتها مباشرة من البالغين من ذوي التوحد وأسر الأطفال من ذوي التوحد، مما يسمح للباحثين بتصميم دراسات تعكس القضايا الفعلية التي يبلّغ عنها المشاركون.
البحث العلمي يجب أن يكون “موضوعيًا” وخاليًا من الانحياز. ماذا يعني ذلك؟ وكيف أميز ما إذا كانت الدراسة موضوعية حقًا؟
في البحث العلمي، تعني “الموضوعية” أن الباحث يحاول إزالة جميع المؤثرات الخارجية أثناء اختبار الفكرة أو العلاج، بحيث تعتمد النتائج فقط على العوامل المدروسة.
هناك العديد من أنواع الانحياز (التحيّز) التي قد تؤثر على نتائج الدراسة. على سبيل المثال:
- في دراسات العلاج الدوائي، غالبًا لا يعرف لا الباحث ولا المشارك من الذي يتلقى العلاج الحقيقي ومن يتلقى العلاج الوهمي (Placebo)، ويُسمى هذا النوع بـ الدراسة مزدوجة التعمية (Double-blind).
- في الاستبيانات، يجب تصميم الأسئلة بحذر لتجنّب التأثير على إجابة الشخص. مثال: سؤال “كم أعجبتك التجربة؟” يفترض ضمنًا أن الشخص أُعجب بها. من الأفضل أن يُسأل: “هل كانت تجربتك سلبية، محايدة، أم إيجابية؟”
مثال آخر على الانحياز: إذا أجريت دراسة عن توتر أولياء الأمور الذين لديهم طفل من ذوي التوحد، وشارك فقط آباء وأمهات لديهم مصادر مناسبة، فقد تُظهر النتائج أنهم يعانون من توتر منخفض. ولكن ذلك انحياز في اختيار العينة، لأن المشاركين لا يمثلون جميع أولياء الأمور.وبالتالي، من الصعب إزالة جميع أنواع التحيّز، لكن من المهم التعرّف عليها وتوضيح تأثيرها عند عرض نتائج الدراسة.
ما المقصود بـ “مراجعة الأقران”؟ ولماذا هي مهمة؟
مراجعة الأقران (Peer Review) تعني أن يقوم باحثون وخبراء آخرون بتقييم فكرة بحثية جديدة أو نتائج دراسة قبل نشرها. عندما يتقدم الباحث بطلب تمويل لفكرته، يقوم خبراء آخرون بمراجعتها للتحقق من جدواها. وعند الانتهاء من الدراسة، تُراجع من قِبل باحثين آخرين للتحقق من: المنهجية المستخدمة، تفسير النتائج، والاطلاع على الدراسات السابقة في الموضوع. تهدف مراجعة الأقران إلى تقليل تحيّز الباحث، والكشف عن أي تضارب محتمل في المصالح. مثال: إذا كان الباحث يمتلك أسهمًا في شركة تُنتج دواءً يقوم بدراسته، فهنا تظهر أهمية مراجعة الأقران لكشف مثل هذه الأمور.
هل يمكنكِ إعطاء أمثلة على كيف غيّر البحث العلمي من فهمنا للتوحد؟
بالتأكيد. لقد غيّر البحث بالفعل طريقتنا في التعامل مع التوحد. أحد الأمثلة: كان الوالدين يعلمون أن أطفالهم من ذوي التوحد قد يهربون، لكن كثيرًا منهم لم يتلقوا نصائح من أطباء الأطفال حول ذلك.
في 2012، نُشرت دراسة وجدت أن نحو نصف الأطفال المصابين بالتوحد يهربون، وأكثر من نصفهم يضيعون فعليًا. هذا البحث سلط الضوء على أهمية الوعي بهذه المشكلة ووضع حلول عملية لحماية الأطفال.
أمثلة أخرى:
- وجدت دراسات حديثة أن البالغين من ذوي التوحد لديهم مشكلات صحية جسدية ونفسية أكثر من عموم السكان.
- ساهم مشروع SPARK في فهم الأساس الجيني للتوحد، حيث قدم أكثر من 150,000 شخص من ذوي التوحد و والديهم و أخواتهم عينات من اللعاب لتحليل الحمض النووي.
وقد كشفت الأبحاث أن هناك تغييرات كبيرة في أكثر من 400 جين أو جزء من الكروموسومات تساهم في التوحد، وترتبط هذه التغييرات بخصائص مثل صغر حجم الرأس أو التأخر العقلي أو التأخر الحركي.
يُظهر هذا المقال كيف يمكن للبحث العلمي أن يكون أداة قوية لفهم أعمق وأكثر دقة للتوحد، بشرط أن يُبنى على أسس علمية واضحة وخالية من التحيز بقدر الإمكان. ومن المهم أن يكون لدى الأهل والممارسين والمهتمين وعي في التعامل مع المعلومات المنتشرة، وأن يدركوا الفرق بين التجارب الفردية والنتائج المستندة إلى دراسات علمية محكمة. إن إشراك الأفراد من ذوي التوحد وأسرهم في البحث ليس فقط ممكنًا، بل هو ضروري لتحقيق تقدم واقعي في هذا المجال. فكل مساهمة علمية موثوقة، صغيرة كانت أو كبيرة، يمكن أن تفتح بابًا لفهمٍ أفضل وحياةٍ أكثر دعمًا للأفراد من ذوي التوحد.
لتسجيل ابنك أو ابنتك في خدمات تحليل السلوك التطبيقي في مركز التميز للتوحد على الرابط التالي (هنا)
المصدر:
Sarris, M. (2024, October 30). Understanding research: An autism researcher answers your questions. SPARK for Autism. https://sparkforautism.org/discover_article/understanding-research-an-autism-researcher-answers-your-questions/
ترجمة: د. رفيف السدراني – رئيس قسم المحتوى والتوعية في مركز التميز للتوحد