الذكاء الاصطناعي في خدمة تشخيص التوحد: نحو أدوات أكثر دقة وإنصافًا 

الذكاء الاصطناعي في خدمة تشخيص التوحد: نحو أدوات أكثر دقة وإنصافًا 

في محاضرة علمية ضمن فعالية ASF Day of Learning 2025، قدّم الدكتور روبرت شولتز (Dr. Robert Schultz) من جامعة بنسلفانيا (University of Pennsylvania) عرضًا مميزًا تناول استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي (AI) لتشخيص وتقييم اضطراب طيف التوحد (ASD) بشكل أكثر فعالية ودقة من الطرق التقليدية. 
استعرض الدكتور شولتز في حديثه كيف يمكن لهذه الأدوات الحديثة أن تجعل التشخيص أكثر موضوعية وعدلاً، وتُسهم في فهم أعمق للتنوع داخل طيف التوحد. 

تحديات التشخيص التقليدي 

على الرغم من التقدم في فهم التوحد، لا تزال طرق التشخيص المعتمدة قديمة وتعتمد في الغالب على استبيانات ومقابلات طُورت منذ خمسينيات القرن الماضي. هذه الأساليب: 

  • تفتقر إلى الموثوقية، إذ لا يتجاوز اتفاق المتخصصين 69% فقط، مما يعني أن الأطباء قد يختلفون في تشخيص الحالة نفسها رغم استخدامهم للأدوات ذاتها. هذا الاختلاف يعود إلى أن التشخيص التقليدي يعتمد بدرجة كبيرة على التقدير الشخصي والملاحظة الذاتية أكثر من اعتماده على مؤشرات موضوعية قابلة للقياس. 
  • تكاد تنعدم درجة الاتفاق بين تقييمات الأطباء والأهالي (0.5 فقط)، ما يشير إلى وجود فجوة واضحة في فهم وتفسير السلوكيات بين الطرفين. فالأهل قد يلاحظون أمورًا لا يراها المختصون، والعكس صحيح، مما يضعف من دقة التشخيص ويؤكد الحاجة إلى أدوات أكثر اتساقًا وموضوعية. 
  • تنظر إلى التوحد كحالة واحدة، بدلاً من كونه طيفًا متنوعًا يضم مظاهر وآليات مختلفة. 
  • لا تساعد على فهم التعقيد والتنوع الحقيقيين ضمن الطيف. 

كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُحدث الفرق؟ 

يقدم الذكاء الاصطناعي أسلوبًا جديدًا قائمًا على البيانات، يركّز على تحليل السلوكيات الفعلية بدل الاعتماد على الملاحظات الذاتية. تقوم تقنيات رؤية الكمبيوتر Computer Vision بالتقاط وتحليل حركات الوجه، نبرة الصوت، وحركات الجسد بدقة متناهية، مما يوفر مؤشرات قابلة للقياس على “التبادل الاجتماعي- السلوك الاجتماعي”  أي التواصل غير اللفظي الذي يُعد محورًا أساسيًا في تشخيص التوحد. 

منهجية البحث والنتائج 

قام الباحثون بتسجيل تفاعلات قصيرة وجهاً لوجه مدتها خمس دقائق للأفراد، باستخدام كاميرات متخصصة قادرة على التقاط 180 حركة وجه مختلفة، إلى جانب تحليل الصوت واللغة. كما أضيفت أجهزة استشعار لقياس مؤشرات فسيولوجية مثل تقلّب معدل ضربات القلب. 

النتائج كانت مذهلة: 

  • باستخدام حركات الوجه فقط، تمكن الذكاء الاصطناعي من التعرف على التوحد بدقة 80%. 
  • وعند إضافة تحليل التفاعل الاجتماعي بين الشخصين (مثل تعابير الوجه المتبادلة والاستجابة للطرف الآخر)، ارتفعت الدقة إلى 90% خلال خمس دقائق فقط. 
  • تفوق النظام على تقييمات الأطباء الذين حققوا دقة 82% فقط عند مشاهدة المقاطع نفسها. 
  • كما أظهر النظام قدرة على التنبؤ المبكر بالتوحد لدى الأطفال في عمر سنتين أو ثلاث سنوات. 

فوائد استخدام الذكاء الاصطناعي في التشخيص 

  • موضوعية وتوحيد المعايير: يوفر قياسات دقيقة غير خاضعة للتحيز الشخصي. 
  • قابلية التوسع: يسمح بتحليل بيانات ضخمة وطرح أسئلة بحثية جديدة حول اضطراب طيف التوحد. 
  • سهولة الوصول: يمكن إجراء التقييم عن بُعد عبر مكالمات الفيديو مثل Zoom، مما يوسع نطاق الاستفادة. 
  • فهم أعمق للطيف: يساعد في تحديد المجموعات الفرعية داخل الطيف وفهم اختلاف آلياتها. 
  • تقييم أدق للعلاجات: يوفر مؤشرات كمية لقياس فاعلية البرامج العلاجية والتدخلات الحديثة. 

التطبيقات الإضافية: الحركة كمؤشر دقيق 

أظهرت الدراسات أن الذكاء الاصطناعي يمكنه أيضًا تقييم التحديات الحركية المرتبطة بالتوحد. 
فقد استطاع الباحثون محاكاة وظيفة جهاز تحليل المشي الاحترافي (سعره 40,000 دولار) باستخدام كاميرا عادية بقيمة 300 دولار فقط، مع دقة تطابق بلغت 0.99! 

التحديات المستقبلية والآفاق القادمة 

رغم النتائج الواعدة، هناك قضايا تحتاج إلى مزيد من البحث: 

  • التحيز في الخوارزميات: لم تُكتشف تحيزات كبيرة حتى الآن، لكن توسيع حجم العينة (أكثر من 500 مشارك) ضروري للتأكد. 
  • دمج البيانات المتعددة: يسعى الباحثون إلى دمج بيانات الوجه والصوت والحركة واللغة والمؤشرات الفسيولوجية لفهم الصورة الكاملة. 
  • التمييز بين الحالات المتشابهة: مثل التفريق بين التوحد وحالات القلق الاجتماعي أو الاضطرابات النفسية الأخرى. 
  • تضمين البالغين: يُخطط لتوسيع الأبحاث لتشمل البالغين غير المشخصين، خصوصًا أن التشخيص عبر الفيديو يسهل الوصول إليهم. 

نحو مستقبل تشخيصي أكثر دقة وإنصافًا 

يمثل استخدام الذكاء الاصطناعي في تشخيص التوحد خطوة ثورية نحو أدوات أكثر عدلاً، شمولاً، وموضوعية. 
فهو لا يهدف فقط إلى تسريع التشخيص، بل أيضًا إلى فهم الإنسان خلف التشخيص  بجوانبه الحركية والاجتماعية والفسيولوجية ليفتح آفاقًا جديدة في الدعم والعلاج والتعليم. 

لتسجيل ابنك أو ابنتك في خدمات التشخيص في مركز التميز للتوحد على الرابط التالي (هنا)      

المصدر:  

TEDx Talks. (2025, April 23). Temple Grandin: What it feels like to be autistic [Video]. YouTube. https://www.youtube.com/watch?v=erRF7ErvWkM 

إعداد: د. رفيف السدراني – رئيس قسم المحتوى والتوعية في مركز التميز للتوحد 

إلى أي مدى كان هذا المصدر مفيد؟

متوسط التقييم 0 / 5. عدد المشاركات: 0