تاريخ التوحد: بين روّاد الاكتشاف وغموض الأسماء المنسية 

تاريخ التوحد: بين روّاد الاكتشاف وغموض الأسماء المنسية 

لطالما هيمن كل من ليو كانر Leo Kanner وهانز أسبرجر Hans Asperger على رواية تاريخ التوحد، باعتبارهما “روّاد اكتشافه”، منذ أن نشرا ورقتين علميتين في عامي 1943 و1944 وصفا فيهما حالات لأطفال يواجهون صعوبات نمائية واضحة. أصبح وصف كانر يُعرف لاحقًا بـ”التوحد الطفولي المبكر” أو “متلازمة كانر”، وركّز على ثلاث سمات لا تزال تُستخدم في التشخيص حتى اليوم: ظهور الأعراض في الطفولة المبكرة، وصعوبات التواصل الاجتماعي، والسلوكيات النمطية التكرارية. 

في المقابل، وصف أسبرجر حالات مشابهة لكنه ركز على قدرات الأطفال العقلية، وأطلق على الحالة مصطلح “الاعتلال النفسي التوحدي”. ظل عمله غير معروف عالميًا لعقود لأنه نُشر بالألمانية خلال الحرب العالمية الثانية، لكنه لاحقًا أصبح اسمًا مألوفًا مع تعميم مصطلح “متلازمة أسبرجر”. 

في عام 1981، دمجت العالمة لورنا وينج Lorna Wing المفهومين تحت مصطلح “طيف التوحد”، مشيرة إلى تنوع السمات بين الأفراد. وساهمت ورقتها في تسليط الضوء على التوحد، خاصة بعد انتشار أفلام مثل رجل المطر وتمبل غراندين، والتي رفعت وعي الجمهور حول الحالة. 

لكن في السنوات الأخيرة، بدأ الباحثون يشككون في “أسبقية” كانر وأسبرجر، مشيرين إلى تجاهل اسم مهم في القصة: غرونيا سوخاريفا Grunya Sukhareva، طبيبة نفسية سوفيتية وصفت حالات سريرية دقيقة لأطفال لديهم سمات التوحد قبل نحو 17 عامًا من كانر، ونشرت دراساتها عامي 1926 و1927 بالألمانية. ورغم دقة وثراء وصفها، لم تُستشهد أعمالها بشكل كاف، ربما بسبب التحيز ضد النساء، أو ضد اليهود، أو ببساطة لأنها سوفيتية. 

وصفت سوخاريفا الأطفال باستخدام مصطلح “الاعتلال النفسي الفصامي”، وكانوا يظهرون انسحابًا اجتماعيًا، واهتمامات ضيقة، وسلوكًا تكراريًا—أي نفس السمات التي نربطها اليوم بالتوحد. لاحقًا، استخدمت هي نفسها مصطلح “الاعتلال النفسي التوحدي”، كما فعل أسبرجر لاحقًا دون الإشارة إليها. 

تكشف هذه القصة كيف أن تاريخ التوحد لم يُبنَ فقط على اكتشافات فردية، بل على تراكم تدريجي من الملاحظات، بعضها طُمِس أو نُسي بسبب عوامل سياسية واجتماعية. 

تاريخ التوحد يعكس رحلة طويلة من الاكتشاف والتفسير المتواصل، تتجاوز أسماء كانر وأسبرجر لتشمل جهودًا علمية متراكمة ومغمورة أحيانًا، مثل أعمال غرونيا سوخاريفا التي سبقتهم بعقود. هذه القصة تعلمنا أن العلم ليس لحظة اكتشاف واحدة، بل عملية تراكمية تتطلب رؤية شاملة وتفهمًا عميقًا. 

فهم هذا التاريخ يساعدنا على تبني نظرة أكثر شمولية للتوحد، تركز على التنوع والاحتواء، وتفتح آفاقًا جديدة لدعم الأفراد وعائلاتهم. وهكذا، يبقى التوحد أكثر من مجرد تشخيص؛ هو دعوة لفهم إنساني أعمق يعزز التواصل والتعاطف في مجتمعنا. 

لتسجيل ابنك أو ابنتك في خدمة التشخيص  في مركز التميز للتوحد على الرابط التالي (هنا)    

المصدر:  

The Transmitter. (2022, November 7). The new history of autism, part I. https://www.thetransmitter.org/spectrum/the-new-history-of-autism-part-i/ 

إعداد: د. رفيف السدراني – رئيس قسم المحتوى والتوعية في مركز التميز للتوحد 

إلى أي مدى كان هذا المصدر مفيد؟

متوسط التقييم 0 / 5. عدد المشاركات: 0

لقد قرأت

شارك هذه المقالة

أحدث المقالات