التدخل المبكر للأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد

التدخل المبكر للأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد

في عام 1987 م، ابتكر طبيب النفس أولي لوفاس منهجاً يجعل سلوك بعض الأطفال من ذوي اضطراب طيف التوحد في عمر 7 سنوات مطابقاً لسلوك الأطفال الطبيعيين. وهو تحليل السلوك التطبيقي (ABA)، هو عبارة عن عدد من الساعات التدريبية بشكل يومي، حيث يقوم على تعزيز الأطفال على السلوكيات الجيدة وعدم تعزيزهم على السلوكيات غير الجيدة.

لكن لوفاس بالغ في تقديره لعلاجه، حيث أنه في دراسته التي شملت 19 طفلاً طُبق عليهم منهج تحليل السلوك التطبيقي وكانت النتيجة أن تسعة منهم  فقط أصبحوا مثل أقرانهم الطبيعيين.   

ولكن، مع ندرة العلاجات والتدخلات في مجال التوحد، أصبح نهج تحليل السلوك التطبيقي معروفا بفترة وجيزة وهو التدخل السلوكي الأكثر شيوعاً واستخداماً مع الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد و لكنه لم يخلو من الجدل. ويشكل نهج تحليل السلوك التطبيقي، الأساس لمعظم التدخلات التي يتم إجراؤها في مرحلة الطفولة المبكرة. تقول الحكمة المعروفة في أبحاث التوحد أن التدخل المبكر يقدم وعد لحياة جيدة للأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد. 

ولكن ما مدى فعالية هذه التدخلات؟ 

فيما يلي ما يعرفه الباحثون حول التدخل المبكر.

ما هي الأنواع الرئيسية للتدخل المبكر؟

نهج تحليل السلوك التطبيقي و هو الأكثر شيوعاً واستخداماً في مرحلة الطفولة المبكرة. ويشار إليه إلى أنه مجموعة واسعة من التدخلات التي تستخدم المكافأة لتشجيع وتعزيز المهارات. 

وإحدى هذه التدخلات، هو نموذج دنفر للتدخل المبكر (ESDM)، وهو نموذج يطبق استراتيجيات تحليل السلوك التطبيقي أثناء اللعب لمساعدة الطفل على التعبير عن مشاعره، وتكوين العلاقات الاجتماعية والتحدث و يتم ذلك عن طريق تسهيل التفاعلات الإيجابية، تم تصميم هذا التدخل لمساعدة الطفل على بناء وتطوير المهارات الاجتماعية و العاطفية إلى جانب مهارات الإدراك واللغة. 

نوع آخر من التدخلات الرائدة المبنية على أسس تحليل السلوك التطبيقي هو التدريب على الاستجابة المحورية (الأساسية) (PRT)، وهو نوع آخر من برامج التدخل التي يتم تطبيقها أثناء اللعب. ويستهدف هذا التدخل المجالات النمائية المحورية، مثل الدوافع  والتحكم بالذات، بدلاً من المهارات المحددة. هذا المنهج يعلم الطفل كيفية الاستجابة للدلالات اللفظية. على سبيل المثال: عندما يطلب الطفل لعبة ما، يطلب المعالج أو أحد الوالدين من الطفل تسمية اللعبة، يحصل الطفل على اللعبة عند تسميتها.

وهناك تدخلات أخرى مبنية على أسس تحليل السلوك التطبيقي تستهدف مهارات محددة، على سبيل المثال: يركز تدخل “الاهتمام المشترك واللعب الرمزي والمشاركة والتنظيم” (JASPER) على مهارات التواصل الاجتماعي. وأما في “التدريب بالمحاولات المنفصلة” (DTT)، يقوم المعالج بتقسيم المهارات المستهدفة إلى خطوات أصغر.  

كما أن هناك تدخل آخر يطلق عليه “استراتيجيات التعليم المبنية على الأبحاث في مجال التوحد” (STAR)، وهذا التدخل يطبق “التدريب على الاستجابة المحورية (الأساسية)” PRT و “التدريب بالمحاولات المنفصلة” DTT معاً في الفصول الدراسية.

وهناك أيضاً تدخلات جديدة تستهدف صعوبات التواصل الاجتماعي. فبدلاً من استخدام المكافآت لتغيير السلوكيات، تتيح هذه التدخلات إعطاء فرصة للطفل لممارسة التفاعلات الاجتماعية. على سبيل المثال: في تدخل “محاولات التواصل لأطفال التوحد قبل المدرسة” (PACT)، يقوم المعالج  بتعليم والدي الطفل ذو اضطراب طيف التوحد على التعرف على محاولات أطفالهم للتواصل والاستجابة لها. 

كم يستغرق التدخل المبكر من مدة ليصبح فعالاً؟

يتلقى الأطفال التدخل المبكر القائم على تحليل السلوك التطبيقي لمدة تصل إلى 40 ساعة في الأسبوع. وقد يستمر التدخل لعدة سنوات، ولكن عند سن الخامسة تقريباً تقل عدد الجلسات و تقصر مدتها. حيث يقول ستيفن كاماراتا (بروفيسور في علوم السمع والنطق و الطب النفسي والعلوم السلوكية في جامعة فاندربيلت في ناشفيل، تينيسي) أنه خلال وقت الالتزام بهذا التدخل، غالباً يتم إغراء وجذب الأهل لتدخلات ليست موثوقة بحيث يتم تسويقها من خلال وصفها بأنها حل سريع  أو العلاج المعجزة للتوحد. لكن تعليم الأطفال المهارات قد تستغرق وقتاً طويلاً. يقول ستيفن كاماراتا: “هذه ليست عملية سريعة، وليست عملية سحرية”. 

هل هناك أدلة على أن هذه التدخلات فعالة؟ 

هناك القليل من الأدلة. حيث يقول توني شارمان (رئيس علم النفس الإكلينيكي في جامعة كينجز كوليدج في لندن) أن معظم التدخلات المبكرة لم يتم اختبارها بشكل عشوائي.   

على سبيل المثال: دراسة واحدة فقط من ضمن خمس دراسات تم إجراؤها في العام الماضي هي التي تم فيها اختيار العينة بشكل عشوائي. وأشارت تلك الدراسة إلى أن الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد الذين يتلقون التدخلات لديهم فرصة أكبر في الانضمام لمدارس التعليم العام مقارنة بغيرهم من الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد الذين لم يتلقوا هذه التدخلات. 

ويقول شارمان إنه حتى في حالة وجود تجارب محكمة، مثل ما تم دراسته في تدخلات “الاهتمام المشترك واللعب الرمزي والمشاركة والتنظيم” JASPER ونموذج دنفر للتدخل المبكر ESDM، فغالباً يكون فيها عدد المشاركين أقل من المطلوب للوصول إلى استنتاجات مؤكدة حول فعالية التدخل. وفي تحليل ضخم  نُشر في أوائل هذا العام، أشار إلى أن التجارب التي أظهرت التأثيرات الإيجابية للتدخلات كانت صغيرة من حيث حجم العينة وحجم التأثير. 

وأن دراسات التدخل المبكر تواجه مشاكل متنوعة. كما هو الحال في مجالات أخرى من أبحاث التوحد. على سبيل المثال هناك: العديد من الدراسات التي تتضمن غالبية عينتها من الأطفال ذوي العرق الأبيض، وبالتالي قد لا تنطبق النتائج على الأطفال الآخرين من ذوي اضطراب طيف التوحد. يوجد القليل من الدراسات التي تقارن أنواع التدخلات ببعضها، أو تتبع تأثير العلاج ومدى استمراره. تقول سالي روجرز (بروفيسورة في الطب النفسي والعلوم السلوكية بجامعة كاليفورنيا في ديفيس): “ليس لدينا أدلة كثيرة على ما تفعله هذه التدخلات بعد 20 عاماً “.

متى يجب أن يبدأ التدخل؟

التدخل المبكر يتبع وقت تشخيص الطفل باضطراب طيف التوحد، فإن بدايته التدخل معتمدة على العمر الذي يشخص في الطفل. ففي الولايات المتحدة الأمريكية، يتم تشخيص معظم الأطفال بعد سن الرابعة. 

وفي بعض الحالات قد يكون من الأفضل البدء في التدخل  في وقت أبكر، مثلاً: بالنسبة للأطفال الذين لديهم أخوة أو أخوات أكبر سناً ومشخصين باضطراب طيف التوحد، هنا يتم التدخل في وقت أبكر حيث أنهم أكثر عرضة لخطر الإصابة باضطراب طيف التوحد. وأظهرت دراسة أجريت العام الماضي للأشقاء الذين تلقوا التدخل المبكر عن طريق مقاطع الفيديو لمدة خمسة أشهر لتحسين التواصل بين الوالدين والأطفال، وبعد عامين من تلقي التدخل كان  هناك تحسن في مهاراتهم.

وفي عام 2014 أجريت دراسة على 11 رضيعاً  من عمر  7 أشهر  إلى 15 شهر تلقوا التدخل من خلال نموذج دنفر للتدخل المبكر (ESDM)، أظهرت نتائج الدراسة أن الذين تلقوا التدخل لديهم عدد أقل من أعراض اضطراب طيف التوحد في عمر الثلاث سنوات من الذين لم يتلقوا التدخل. وفي السنة التالية، أوضحت تسع دراسات أن التدخلات السلوكية تحسن من التواصل الاجتماعي عند تطبيقها مع  الأطفال دون عمر السنتين.  

كيف تغيرت التدخلات السلوكية لاضطراب طيف التوحد مع الوقت؟

سابقاً كانت التدخلات السلوكية تتضمن أن يجلس الطفل وأمامه طاولة لعدة ساعات ويقوم الأخصائي بعرض صورة للطفل ويطلب منه تسميتها. هذه التدريبات الصارمة من الممكن أن تحسن اللغة أو تخفف من السلوكيات التكرارية.  

وفي خلال العشرين عاماً الماضية، انتقلت التدخلات السلوكية لتصبح في بيئات مألوفة لدى الطفل مثل: في منزل الطفل، غرفة نوم الطفل أو غرفة اللعب. وكذلك إعطاء فرصة للطفل للقيام باختيار النشاط الذي يفضله، مثل: التلوين على الطاولة أو اللعب بالسيارات. و في الغالب يتم دمج التدخل في جوانب أخرى خلال اليوم، وبالتالي أصبح دور الوالدين مهم جداً لتعزيز السلوكيات.

أكد الكثير من الباحثون على أن التدخل الفعال هو التدخل الذي يتم تصميمه لكل طفل بشكل فردي. حيث أن الأطفال لديهم مهارات نمائية محددة في كل عمر، كمهارات اللغة أو المهارات الاجتماعية، حيث أن المهارات تبدأ في مستويات نمائية مختلفة.  

تقول لين كويجل (بروفيسورة علم النفس الإكلينيكي و العلوم السلوكية بجامعة ستانفورد بكاليفورنيا)، وهي أحد المبتكرين لتدخل التدريب على الاستجابة المحورية (الأساسية) أن “التدخلات ليست مقاس واحد مناسب للجميع”.

ما هي الخطوة التالية في مجال التدخلات السلوكية؟ 

عندما يثبت التدخل فعاليته، فإنه في الغالب لا يعرف الباحثون أي عنصر من التدخل هو الذي أدى إلى هذا التحسن، مما يجعل من الصعب الدمج بين العناصر الفعالة للقيام بتدخلات جديدة. قام بعض الباحثون بمحاولة تحديد “العناصر الفعالة” للتدخلات الناجحة.

وفي عام 2015 قام فريق بحثي باختبار ثلاثة مكونات لتدخل “التعليم المبنية على الأبحاث في مجال التوحد”(STAR) لعينة مكونة من 119 طالب من المدارس. أحد العناصر، هو التدريب على الاستجابة المحورية (الأساسية) (PRT) حيث ارتبط  في تحسين القدرة المعرفية للطلاب، كما وجد الباحثون  أن المكونات الأخرى، وهي “التدريب بالمحاولات المنفصلة” (DTT) و طريقة أخرى تسمى “التعليم من خلال الروتينيات الوظيفية” ليس لهم أي تأثير فعال على سلوكيات الطلاب. 

نستخلص القول بأن، الفهم الأفضل للعناصر الفعالة في التدخل قد يزودنا بالدلالات لكيفية تحسينه. كما أنه سوف يساعد المختصين على تصميم التدخل المناسب لكل طفل دون أن يغفل المختص عن العناصر الأساسية للتدخلات الفعالة.

[ratemypost]

لقد قرأت

شارك هذه المقالة

أحدث المقالات


 خصم التميز

خصم 20 % لعملاء بنك الرياض على جميع الخدمات و الدورات

استخدم معرف البطاقة