
في عالم يتطور بسرعة، أصبح الذكاء الاصطناعي جزءًا من حياتنا اليومية، ومعه ظهرت فرص جديدة لدعم الأطفال من ذوي التوحد. ومن المجالات التي يمكن أن تستفيد كثيرًا من هذه التقنيات مجال تحليل السلوك التطبيقي (ABA)، حيث يساعد الذكاء الاصطناعي في جمع البيانات وتحليلها وتقديم حلول أسرع وأكثر دقة للأهالي والأخصائيين.
تحليل السلوك التطبيقي (ABA) هو أسلوب علمي لفهم السلوك وتعديله، يعتمد على استراتيجيات مثبتة علمياً لتحقيق تغييرات إيجابية وذات معنى في حياة الأفراد. يعمل على زيادة السلوكيات المفيدة والجيدة وتقليل السلوكيات غير المرغوبة أو الضارة، وهو فعال في مجالات متعددة مثل التوحد واضطرابات النمو الأخرى.
استخدام الذكاء الاصطناعي في جمع البيانات في تحليل السلوك التطبيقي (ABA):
في جلسات تحليل السلوك التطبيقي عادةً يسجل الأخصائيون معلومات عن سلوك الطفل: كم مرة يحدث السلوك، كم يستمر، ومتى يتكرر. هذه العملية تأخذ وقت طويل وقد يحدث فيها أخطاء بشرية تؤثر على دقة النتائج.
الذكاء الاصطناعي يساعد في تسهيل هذه المهمة بعدة طرق:
- الملاحظات الآلية:
بدل ما يقضي الأخصائي وقت طويل في مشاهدة فيديوهات وتسجيل ملاحظات عن سلوك الطفل، يمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي متابعة السلوك بشكل آلي، تحديد اللحظات المهمة، تحليلها، ثم عرض النتائج بطريقة واضحة وسريعة.
يستخدم الأخصائيون في جلسات تحليل السلوك التطبيقي تسجيلات الفيديو لمراجعة سلوك الأفراد وتحليلها. لكن مشاهدة الفيديوهات وتسجيل الملاحظات عملية مرهقة خصوصًا عندما تكون السلوكيات المستهدفة قليلة الحدوث.
هنا يأتي دور الذكاء الاصطناعي، إذ يمكنه رصد السلوك تلقائيًا، تحديد المواقف المطلوبة، تحليلها، وتقديم النتائج عبر أنظمة إلكترونية (API).
- الأجهزة الذكية القابلة للارتداء (Wearables):
يمكن أن تساعدنا بعض الأجهزة مثل الساعات أو الأساور الذكية في متابعة الطفل بشكل أدق. فهي تستطيع قياس نبضات القلب، حركة الجسم، وحتى بعض الإشارات المرتبطة بالنوم أو النشاط.
وتنقل هذه البيانات مباشرة إلى تطبيقات على الجوال أو الكمبيوتر، ليتم عرضها بطريقة سهلة تساعد الأهل والأخصائيين على فهم حالة الطفل ومتابعة تقدمه.

- التعرف على الصوت والكلام بالذكاء الاصطناعي
تخيلوا لو أن الهاتف أو الأجهزة الذكية تقدر تلتقط نبرة صوت الطفل، وتلاحظ إذا كان متوتر أو مرتاح، بل وتتعرف على مشاعره من خلال صوته! هذا ما يقدمه الذكاء الاصطناعي اليوم، حيث يساعد الأخصائيين في جمع معلومات مهمة عن سلوك الطفل أثناء جلسات تحليل السلوك التطبيقي (ABA). ومن الأمثلة مشروع DE-ENIGMA، الذي يعمل على استخدام هذه التقنية لفهم احتياجات الأطفال من ذوي التوحد بشكل أعمق ودقيق.
- الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات في جلسات تحليل السلوك التطبيقي:
تحليل البيانات في جلسات تحليل السلوك التطبيقي (ABA) قد يكون صعبًا ويأخذ وقتًا طويلًا، خصوصًا عند التعامل مع كميات كبيرة من المعلومات. على سبيل المثال، تطبيق طرق المثير-السلوك-النتيجة (ABC) أو رسم المخططات البيانية يحتاج جهدًا كبيرًا من الأخصائي، ومع ذلك قد تحدث أخطاء أو يتأثر التحليل برأي الشخص نفسه.
الذكاء الاصطناعي يساعد في مواجهة هذه التحديات من خلال تحليل كميات ضخمة من البيانات بسرعة وكفاءة أعلى.
- التعرف الآلي على أنماط سلوك الشخص:
يمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي متابعة ومراجعة كميات كبيرة من البيانات لاكتشاف الأنماط المهمة خلال ثوانٍ فقط. على سبيل المثال: يستطيع أحد أنظمة الذكاء الاصطناعي أن “يشاهد” ساعات طويلة من الفيديوهات المنزلية التي تسجل سلوك الطفل، ثم يجري تحليلًا ورسوماً بيانية (scatterplot) في أقل من دقيقة.
- التغذية الراجعة الفورية:
بينما قد يحتاج الأخصائي في تحليل السلوك التطبيقي (ABA) عدة أيام لمعالجة المعلومات وتحليلها، يستطيع الذكاء الاصطناعي القيام بذلك في لحظات. وهذا يفتح المجال للتعامل مع المشكلة مباشرة في وقت حدوثها. يمكن للأخصائيين والأهالي الاستفادة من هذه المعلومات لتعديل أسلوبهم بسرعة، والوصول إلى نتائج أفضل في إدارة السلوك.
- دمج البيانات من عدة مصادر:
من أصعب التحديات في جلسات تحليل السلوك التطبيقي (ABA) هو جمع بيانات كثيرة من أماكن مختلفة وربطها مع بعض لتحليلها بشكل كامل.الذكاء الاصطناعي يسهل هذه المهمة، حيث يجمع المعلومات من مصادر متعددة مثل: الأجهزة الذكية القابلة للارتداء، الفيديوهات، التسجيلات الصوتية، وحتى ملاحظات الأخصائي، ثم يحللها ليعطي نتائج واضحة وفورية تساعد في فهم سلوك الطفل بشكل أفضل.
النمذجة التنبؤية في نهج تحليل السلوك التطبيقي
باختصار، النمذجة التنبؤية تعني أن الذكاء الاصطناعي يتعلم من البيانات السابقة حتى “يتوقع” ما قد يحدث مستقبلًا. هذا يساعد الأخصائيين على اتخاذ قرارات أدق وأسرع.
في جلسات تحليل السلوك التطبيقي (ABA) ممكن تفيد في:
- التدخل المبكر: التعرف على الأطفال اللي ممكن يواجهون تحديات سلوكية مبكرًا.
- خطة علاج فردية: تصميم خطة تناسب كل طفل حسب احتياجاته وتجربته السابقة.
- توفير الجهد والموارد: معرفة أين نركز الجهد والموارد بشكل أفضل.
- قياس التقدم: توقع النتائج ومقارنتها بما يحدث فعليًا عشان نعرف إذا الخطة فعالة أو تحتاج تعديل.
خطوات النمذجة التنبؤية في نهج تحليل السلوك التطبيقي
النمذجة التنبؤية تمر بعدة مراحل حتى تساعد الأخصائيين على توقع السلوك واتخاذ قرارات أدق:
- جمع البيانات: في البداية يتم جمع معلومات من مصادر مختلفة لتغذية النموذج.
- اختيار العوامل المهمة: تحديد المتغيرات الأساسية التي تؤثر على السلوك.
- تدريب النموذج: تزويد البرنامج ببيانات سابقة ليتعلم منها.
- اختبار النموذج: التأكد من دقة التوقعات بمقارنتها مع النتائج الواقعية.
- التطبيق العملي: استخدام النموذج في الحياة الواقعية مع تحديثه باستمرار ببيانات جديدة.
النمذجة التنبؤية أصبحت تُستخدم فعليًا في تحسين جودة حياة الأشخاص
- على سبيل المثال، في عام 2017 طورت جامعة Northwestern تطبيقًا اسمه Mobilyze لمساعدة الأشخاص المصابين بالاكتئاب. التطبيق اعتمد على مستشعرات الهاتف لتتبع السلوك والتنبؤ بنوبات الاكتئاب بدقة وصلت إلى 90%.
- وفي دراسة حديثة شملت 45,080 طفلًا من ذوي التوحد، تم التأكيد على فعالية النماذج المبنية على السجلات الطبية الإلكترونية (EHR) في اكتشاف مؤشرات التوحد المبكر عند عمر 30 يومًا فقط. هذا يعني أن التشخيص المبكر باستخدام الذكاء الاصطناعي يمكن أن يفتح الباب لتقديم دعم سلوكي أسرع، وبالتالي تحسين نتائج الطفل.
المستقبل: دمج نهج تحليل السلوك التطبيقي (ABA) مع الذكاء الاصطناعي
دمج الذكاء الاصطناعي مع استراتيجيات تحليل السلوك التطبيقي يساعد في تسهيل جمع البيانات وتحليلها والتنبؤ بالنتائج.
هذا الدمج يساهم في تحسين طرق العلاج، وتصميم خطط تدخل فردية تناسب كل طفل، والكشف المبكر عن التحديات، بالإضافة إلى فوائد أخرى عديدة تؤدي في النهاية إلى نتائج أفضل للأطفال وأسرهم.
تحديات استخدام الذكاء الاصطناعي في جلسات تحليل السلوك التطبيقي
رغم فوائد الذكاء الاصطناعي في جلسات تحليل السلوك التطبيقي (ABA)، إلا أن هناك بعض التحديات التي يجب الانتباه لها:
- خصوصية البيانات: خاصة عند نقل المعلومات من الأجهزة القابلة للارتداء مثل الساعات أو الأساور الذكية.
- الدور الإنساني في العلاج: وجود الأخصائي مهم جدًا، فحتى لو كان هناك بعض التحيز البشري، إلا أن “اللمسة الإنسانية” جزء أساسي يساهم في نجاح العلاج. في المقابل، قد يظهر تحيز أيضًا في أنظمة الذكاء الاصطناعي لأنها تتعلم من بيانات يقدمها البشر.
التعلّم لفهم أدوات الذكاء الاصطناعي في نهج تحليل السلوك التطبيقي
أخصائيو تحليل السلوك التطبيقي (ABA) عادةً يجمعون البيانات ويحللونها بشكل يدوي. ومع دخول أدوات الذكاء الاصطناعي، أصبح عليهم تعلم كيفية استخدامها للاستفادة منها. لكن هذا يحتاج بعض الوقت لأن هذه الأدوات ليست دائمًا سهلة، وغالبًا تتطلب تدريبًا وممارسة. حتى تكون أدوات الذكاء الاصطناعي مفيدة وسهلة الاستخدام، يحتاج الخبراء لفهم تفاصيل واحتياجات جلسات تحليل السلوك التطبيقي (ABA) بدقة.

التكامل بين نهج تحليل السلوك التطبيقي و الذكاء الاصطناعي
رغم أن أدوات الذكاء الاصطناعي متطورة جدًا، إلا أنها لا يمكن أن تحل محل الأخصائيين في تحليل السلوك التطبيقي (ABA). دورها هو دعم الأخصائي وتوسيع إمكانياته ليقدم رعاية أفضل للأطفال. وفي المستقبل، كلما تطورت هذه البرامج أكثر، ستساعد الأخصائيين على تحقيق تقدم كبير في هذا المجال، مما يساهم في تحسين حياة الكثير من الأشخاص وجعلها أكثر راحة وجودة.
لتسجيل ابنك أو ابنتك في خدمات تحليل السلوك التطبيقي في مركز التميز للتوحد على الرابط التالي (هنا)
المصدر:
Turley, R. (2025, March 11). The integration of ABA with artificial intelligence (AI). AppliedBehaviorAnalysisEdu.org. https://www.appliedbehavioranalysisedu.org/2024/01/integration-of-aba-with-artificial-intelligence-ai/
إعداد: د. رفيف السدراني – رئيس قسم المحتوى والتوعية في مركز التميز للتوحد