وفقاً لدراسة كبيرة للتوائم؛ ظلت المساهمات النسبية للعوامل الجينية والبيئية المسببة لاضطراب طيف التوحد وسماته ثابتة على مدى عقود.
أجريت دراسة لعشرات الآلاف من التوائم السويديين الذين وُلدوا خلال 26 عاماً، حيث كان للعوامل الجينية تأثيراً أكبر من العوامل البيئية في الإصابة بالتوحد وسماته، وتشير الدراسة إلى أن العوامل الجينية تمثل حوالي 93% من احتمالية إصابة الفرد بالتوحد ونسبة 61% إلى 73% من احتمال ظهور سمات التوحد.
وتتطابق الإحصائيات المذكورة في الدراسة مع الدراسات السابقة التي تظهر أن العوامل الجينية تؤثر تأثيراً كبيراً على احتمالية الإصابة بالتوحد، وتشير النتائج إلى أنه من غير المرجح أن تفسر العوامل البيئية ارتفاع معدل انتشار التوحد، حيث يلاحظ مع مرور الوقت تأثير العوامل الجينية على الإصابة بالتوحد بين التوائم.
يقول مارك تايلور كبير الباحثين في معهد كارولينسكا في ستوكهولم في السويد وهو القائد للدراسة “أعتقد أن المساهمة النسبية بين العوامل الجينية والبيئية الكامنة وراء الإصابة بالتوحد وسماته هي أهم الجوانب في هذا العمل، حيث أنه قبل دراستنا لم تكن هناك دراسات تبحث عما إذا كانت العوامل الجينية والبيئية المسببة للإصابة بالتوحد بين التوائم تغيرت بمرور الوقت”.
العوامل الأسرية:
قام الباحثون بتحليل البيانات من مصدرين: الأول عبارة عن عينة تتكون من 22,678 توأم من قائمة تسجيل مواليد التوائم السويدية والذين وُلدوا بين عام 1982م – 2008م.
أما المصدر الثاني عبارة عن 15,280 توأم من دراسة التوائم الأطفال والمراهقين في السويد المولودين بين عام 1992م – 2008م.
قام الفريق بتقسيم هذه المجموعات إلى مجموعات أصغر حسب تاريخ ولادة الأطفال، وقاموا بإنشاء خمس مجموعات من مجموعة تسجيل المواليد وأربعة من مجموعة الدراسة، تشمل المجموعات كلاً من التوائم غير المتطابقة والمتطابقة؛ و تشترك التوائم المتطابقة في جميع الشفرات الوراثية تقريباً، في حين أن التوائم غير المتطابقة تتشارك بما يقارب 50%. في مجموعات سجلات المواليد هناك حوالي 24% من الأزواج المزدوجة متطابقة، وفي مجموعة الدراسة فإن 30% تقريباً متطابقة.
ومن بين جميع هؤلاء التوائم حددوا الأطفال المصابين بالتوحد وتأكدوا من التشخيص، إما بالرجوع إلى السجلات الطبية وملاحظات الحالة، أو عن طريق المقابلات الهاتفية مع أولياء الأمور أو مقدمي الرعاية للطفل، وأيضاً تم تحديد مجموعة من التوائم الذين يظهرون سمات التوحد لكنهم لا يستوفون معايير التشخيص وذلك عن طريق المقابلات الهاتفية. و لتقدير نسبة تأثير كل من العوامل الوراثية أو البيئية على الإصابة بالتوحد في كلتا المجموعتين؛ قاموا بمقارنة الاختلافات بين كل زوج من التوأمين المتطابقين وغير المتطابقين وبالأخص لتحديد احتمالية إصابة أحد أو كلا التوائم بالتوحد، ثم درسوا ما إذا كانت هذه النسب تغيرت بين مجموعات الولادة.
في كل مجموعات الولادة يوجد أزواج توأم متطابقين أكثر من الأزواج غير المتطابقين حيث يكون لدى كلا التوأمين توحد أو تظهر عليهم سمات التوحد، وقد ظهر العمل في 6 أيار/مايو في موقع الطب النفسي JAMA.
يشير هذا إلى أن العوامل الجينية تؤثر على الإصابة بالتوحد بشكل أكبر من العوامل البيئية، وإذا كان العكس صحيحاً فسيكون هناك المزيد من أوجه التشابه السلوكي بين التوائم غير المتطابقة.
مشاكل التوائم:
يتساءل بعض الخبراء عما إذا كانت الدراسات – حتى الكبيرة منها مثل هذه الدراسة- يمكن أن تقدم إجابات نهائية.
يقول بريان لي الأستاذ المشارك في علم الأوبئة والإحصاء الحيوية في جامعة دريكسيل في فيلادلفيا، بنسلفانيا، والذي لم يشارك في الدراسة: “أن أصل التوحد قد يشمل على التفاعل بين العوامل الجينية والبيئية وهو ما لا تشمله دراسات التوائم”.
يقول بريان لي: “السؤال عما إذا كان علم الجينات أو البيئة أكثر أهمية هو سؤال خاطئ بالنسبة إلى الأمر؛ وشبه ذلك بالسؤال عما إذا كان الأهم هو ارتداء حذائك الأيسر أو حذائك الأيمن للخروج في الأماكن العامة”
ويقول يواكيم هالماير أستاذ الطب النفسي في جامعة ستانفورد، بكاليفورنيا والذي لم يشارك بالدراسة: إن الدراسة الجديدة تم تصميمها وإجرائها جيداً، ولكن نظراً لقيود دراسات التوائم، فقد لا تضيف الكثير إلى الدراسات السابقة لتوضيح العلاقة بين البيئة وعلم الجينات والتوحد. ويقول أيضاً: “محتمل بشكل كبير أن هذه الدراسة من الدراسات الجيدة في مجال عملنا”.
يعارض تايلور و يقول: “إن النتائج يمكن أن تفتح مناقشة حول ارتفاع معدلات انتشار التوحد”.و أيضاً “تؤكد هذه الدراسة أنه على الرغم من ارتفاع معدل تشخيص التوحد إلا أنه لا يوجد تغير واضح في المسببات الأساسية له”.
بعد ذلك، يخطط الفريق البحثي على التركيز على عوامل بيئية محددة سبق ربطها بالتوحد، وذلك لمعرفة ما إذا كانت هذه المساهمات قد تغيرت بمرور الوقت، ويخططون أيضاً للبحث في الحالات العصبية النمائية الأخرى التي أصبحت أكثر وأقل انتشاراً