في هذه المقالة، سنغوص في عالم مثير من الأبحاث التي تكشف كيف يؤثر معدل الذكاء في “القدرة على تنفيذ” المهارات والسلوكيات التكيفية. تفتح لنا الدكتورة إلين كلارك Elaine Clark ( أستاذة في جامعة روتجرز Rutgers حيث تعمل في كلية الدراسات العليا لعلم النفس التطبيقي والمهني، وأيضًا في مركز روكر Rucker لخدمات البالغين) أبواب هذا الموضوع المعقد والمثير، لتسليط الضوء على تأثير القدرات العقلية في السلوكيات التكيفية.
ما الفرق بين مهارات الحياة اليومية والسلوك التكيفي؟
المهارات الحياتية اليومية تُعد جزءًا من السلوك التكيفي، حيث تركز على التفاصيل الصغيرة التي يحتاجها الشخص للعيش بشكل مستقل. تشمل هذه المهارات القدرة على ارتداء الملابس، وربط الحذاء، والاستحمام، وتنظيف الأسنان، وتحضير وجبة، واستخدام الأدوات المنزلية بأمان، وإدارة الحسابات المالية، وتحديد المواعيد الطبية، والقدرة على الاحتفاظ بوظيفة منتظمة.
أما السلوك التكيفي، فهو مفهوم أوسع يشمل إلى جانب المهارات الحياتية اليومية مهارات أخرى مثل التواصل (القراءة، الكتابة، والتعبير الشفهي)، والتفاعل الاجتماعي، وحل النزاعات الشخصية. كما يتضمن بعض المقاييس للمهارات الحركية مثل القدرة على صعود الدرج، ورمي الكرة، والإمساك بالقلم والمقص بشكل صحيح.
رغم أن هذه المهارات متميزة، إلا أنها مترابطة. على سبيل المثال، تحديد موعد مع الطبيب يتطلب مهارات تواصل جيدة. لذا، من المهم النظر إلى السلوك التكيفي كوحدة متكاملة تؤثر فيها المهارات بعضها على بعض.
السلوك التكيفي واضطراب طيف التوحد:
يتأثر السلوك التكيفي بخصائص وأعراض التوحد بدرجات متفاوتة، حيث تُظهر الأبحاث أن معظم المصابين بالتوحد، سواء كانت لديهم إعاقة عقلية مصاحبة أم لا، يواجهون تحديات في هذا الجانب مقارنة بالأفراد ذوي النمو الطبيعي.
كيف يتم قياس السلوك التكيفي؟
تشير الدكتورة كلارك إلى أن المقياس الذي استخدمته في أبحاثها أكثر من غيره، والذي يُعتبر غالبًا المعيار الذهبي لفهم السلوك التكيفي، هو “مقاييس السلوك التكيفي فينلاند” (Vineland Adaptive Behavior Scales). توجد نسخ متعددة من مقياس فينلاند، وأكثرها موثوقية من حيث الأبحاث والمعلومات السريرية هو الذي يعتمد على مقابلة يقودها مختص. في هذا السياق، يقوم أخصائي نفسي أو مختص مدرب آخر أو باحث بطرح الأسئلة من مقياس فينلاند، وغالبًا ما يكون ذلك مع مقدم الرعاية، ثم يستخدم معلومات التقرير لتسجيل النتيجة.
مقياس فينلاند ليست الطريقة الوحيدة لقياس السلوك التكيفي. هناك استبيانات شائعة أخرى مثل “ABAS” و”SIBR”، حيث يُعد ABAS مقياسًا جيدًا للبالغين ويشمل تقريرًا ذاتيًا موثقًا. يمكن تقديم هذا الاستبيان لشخص بالغ، سواء كان يزور لأول مرة لتشخيص التوحد أو لإعادة التقييم، ليكمله بنفسه ويقدم معلومات عن قدرته التكيفية.
هناك أيضًا مقاييس قائمة على الملاحظة، مثل “T-Tap”، حيث يُطلب من الفرد أداء مجموعة من السلوكيات المرتبطة بالقدرة التكيفية. إلا أن هذا المقياس يُستخدم أقل، لأنه يتطلب تدريبًا ووقتًا. نظرًا لأن القدرة التكيفية مجال واسع جدًا، فإن الملاحظة وحدها لا تكفي لمعرفة كل ما يستطيع الشخص أو لا يستطيع فعله. حتى إذا تابعت شخصًا طوال الأسبوع، فمن غير المحتمل أن تلاحظ كل مهارة يمكنه أو لا يمكنه تنفيذها بشكل مستقل.
أهمية الدراسات الطولية في فهم تأثير القدرة العقلية على السلوك التكيفي:
تشير الدراسات الطولية إلى أن القدرة العقلية تؤثر بشكل كبير على السلوك التكيفي. على سبيل المثال، الأشخاص المصابون بالتوحد الذين لديهم إعاقة عقلية نادرًا ما يعيشون باستقلالية، وغالبًا ما يبقون مع عائلاتهم أو في مراكز رعاية، كما أن فرصهم الوظيفية محدودة، وعادةً ما يعملون في وظائف بسيطة أو ضمن برامج تأهيلية.
يعتقد البعض أن جميع المصابين بالتوحد يجب أن تُتاح لهم نفس الفرص مثل الاستقلالية أو التعليم الجامعي، لكن الواقع يشير إلى أن القدرات تختلف، ولا يمكن للجميع الاستفادة من هذه الفرص بالطريقة ذاتها.
أهمية توفير الفرص لتنمية المهارات:
من المفاهيم الخاطئة الاعتقاد بأن جميع المصابين بالتوحد لديهم نفس الإمكانيات. فبعضهم يبدأ بتأخر إدراكي ولغوي، مما يقلل من فرصهم المستقبلية. يعتمد تطوير المهارات بشكل أساسي على الفرص المتاحة؛ فإذا لم تتوفر فرص كافية للتفاعل الاجتماعي والمجتمعي، فلن يتمكن الشخص من تطوير مهاراته.
تحسين جودة الحياة للمصابين بالتوحد:
رغم التحديات، هناك دائمًا طرق لدعم المصابين بالتوحد وتحسين حياتهم. فالأبحاث لم تُظهر بشكل كافٍ كيف يمكن للأشخاص الذين يحتاجون إلى دعم مكثف أن يتمتعوا بجودة حياة جيدة.
لا يعني عدم القدرة على العمل أو العيش باستقلالية تدني جودة الحياة. فمفهوم النجاح والسعادة يختلف من شخص لآخر، وما يُعتبر “أفضل حياة” بالنسبة للبعض قد لا يكون مناسبًا للآخرين، خاصةً المصابين بالتوحد أو ذوي الإعاقات العقلية. لذا، هناك حاجة لمزيد من الأبحاث حول البالغين المصابين بالتوحد واحتياجاتهم الفعلية.
لتسجيل ابنك أو ابنتك في برنامج التأهيل المهني في مركز التميز للتوحد على الرابط التالي (هنا)
المصدر:
Halladay, A. (2025, January 26). How IQ impacts the “will do” of skills: adaptive behaviors
. ASF Weekly Science Podcasts. How IQ impacts the “will do” of skills: adaptive behaviors – ASF Weekly Science Podcasts
ترجمة: د. رفيف السدراني – رئيس قسم المحتوى والتوعية في مركز التميز للتوحد
