بعض الأشخاص المصابين بالتوحد لديهم حجم رأس كبير بشكل غير طبيعي، وهذه حقيقة معروفة منذ أن وُصف التوحد لأول مرة في الأربعينات من القرن الماضي، ولكن الجدل حول هذا الاكتشاف قد زاد منذ ذلك الوقت. كم شخصاً مصاباً بالتوحد لديه حجم الرأس كبير؟ ما هو سبب تضخم حجم الرأس؟ وهل له أي تأثير على تحسن نتائج الطفل؟
فيما يلي ما يعرفه الباحثون وما لا يعرفونه عن حجم الرأس و التوحد. ما هي نسبة الأشخاص المصابين بالتوحد الذين لديهم حجم رأس كبير؟
لاحظ (ليو كانر) عندما وصف لأول مرة 11 طفلاً مصاباً بالتوحد في ورقة بحثية عام 1943 العديد من السمات غير العادية، وذكر أن “خمسة منهم كان حجم رؤوسهم كبير نسبياً”، ولكنه لم يذكر أكثر من ذلك حول هذه المسألة، وجدير بالذكر أن حجم العينة كان صغيراً.
وعلى مدى العقود التالية، لاحظ العديد من العلماء الآخرين نفس العلاقة، فطبقاً لتقديرات دراسة مرجعية أجريت في عام 1999، فإن 20% من الأشخاص المصابين بالتوحد لديهم حجم رأس كبير ، أو كما يُطلق عليه “ضخامة الرأس”.
في عام 2011، قام Autism Phenome Project (مشروع فينوم للتوحد) بتنقيح تلك النسبة إلى 15% من الذكور المصابين بالتوحد، وتابع فريق المشروع الذكور المصابين بالتوحد منذ تشخيصهم وطوال فترة طفولتهم، كما ركز الفريق على ما إذا كان حجم الرأس لا يتناسب مع أجزاء أخرى من الجسم، وليس فقط كبر حجمه، وأطلق الباحثون على هذه الحالة “ضخامة الرأس غير المتناسبة”، وقالوا إنها تمثل مجموعة فرعية من ذوي التوحد. يقول David Amaral ديفيد أمارال (الباحث الرئيسي وبروفيسور متميز في الطب النفسي والعلوم السلوكية في معهد ديفيس مايند للطب النفسي بجامعة كاليفورنيا) “لقد حددنا شكل الدماغ الكبير من التوحد”.
لا أحد يعارض نسبة الـ 15% هذه، ولكن العلماء لديهم تفسيرات مختلفة.
تقول Katarzyna Chawarska كاتارزينا تشوارسكا و Emily Fraser Beede إيميلي فريزر بيد (بروفيسور في الطب النفسي للأطفال بجامعة ييل) “هذا ينطبق فقط على نسبة صغيرة من الأطفال المصابين بالتوحد”، ولكن Eric Courchesne إريك كورشيسن (عالم الأعصاب بجامعة كاليفورنيا، سان دييغو) يجادل بقوله، أن الرأس كبير الحجم بشكل غير طبيعي يشكل سمة شبه عامة بين الأشخاص الذين يعانون من التوحد، وتمثل نسبة الـ 15 في المائة الحالات الشديدة في هذه السمة، ويشير إلى دراسة مرجعية أُجريت على أكثر من 8000 شخص في عام 2015، والتي استنتجت أن حجم الرأس يكون أكبر لدى الأشخاص المصابين بالتوحد من أقرانهم العاديين.
ماذا عن الإناث المصابات بالتوحد؟
أشارت دراسات متعددة إلى أن الأدمغة الكبيرة هي أندر بكثير بين الإناث المصابات بالتوحد منها عن الذكور.
تقول Chawarska شاوارسكا “وجدنا زيادة كبيرة في حجم الرأس لدى الذكور، دون الإناث”.
لم تشمل الدراسات السابقة العديد من الإناث، لذا فعندما قام Amaral أمارال وزملاؤه في دراسة هذه الظاهرة، أعطوا الأولوية للإناث المصابات بالتوحد. يقول Amaral أمارال “على الرغم من أن لدينا عدداً أكبر بكثير الآن من الإناث، إلا أننا لا زلنا لا نرى ذلك بنفس الوتيرة لدى الإناث كما هو الحال مع الذكور”، “إنه لا يزال أمر نادر للغاية”.
إن السبب وراء هذا الفارق بين الجنسين غير واضح، ولكن من المعتقد أن التوحد يؤثر على الإناث بشكل مختلف عن الذكور، حيث يتم حماية الإناث بشكل أو آخر من الحالة.
هل لدى الأطفال المصابين بالتوحد الذين لديهم حجم رأس كبير يكون لديهم دماغ كبير ايضاً ؟
نعم، فقد قام الباحثون بمسح أدمغة الأشخاص المصابين بالتوحد باستخدام تقنيات مثل التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI)، وتوصلوا إلى أن هؤلاء الذين لديهم حجم رأس كبير يميلون ايضاً إلى أن يكون لديهم دماغ كبير بشكل غير طبيعي، ومع ذلك، فإن العلاقة بينهما ليست واضحة تماماً، فبعض الأطفال المصابين بالتوحد الذين لديهم دماغ كبير لا يملكون حجم رأس كبير، لذا فمن الأفضل بالنسبة للباحثين أن يقوموا بمسح الدماغ بدلاً من الاعتماد على قياسات الرأس.
ما هي أجزاء الدماغ التي يزيد حجمها و تتضخم؟
هناك نمط معقد من الاختلافات في مختلف أنحاء الدماغ. إن القسم الأعظم من حجم الدماغ البشري موجود في الطبقة الخارجية السميكة، وهي قشرة الدماغ، ويبدو أن هذا هو المكان الذي تحدث فيه زيادة الحجم. يقول Amaral أمارال “إن التنظيم الأساسي للقشرة ليس مختلفاً، ولكن هناك المزيد منها”. ومع ذلك، فمن غير الواضح ما هي المواد الإضافية، لأن التصوير بالرنين المغناطيسي لا يمكنه توضيح هذه التفاصيل، وقد تحتوي المنطقة على خلايا عصبية أو خلايا داعمة إضافية، أو حتى سائل نخاعي زائد
قد تتضخم ايضاً مناطق أخرى من الدماغ معروفة بأنها مرتبطة بالتوحد، وتشمل التلفيف المغزلي، وهي منطقة الدماغ التي تشارك في معالجة معلومات الوجه، و القشرة البصرية الأولية التي تكشف المعلومات المرئية الأساسية، وقد لا تبدو القشرة البصرية الأولية منطقة ذات أهمية للتوحد، ولكن في الواقع، فإن المشاكل البصرية شائعة بين الأشخاص المصابين بهذه الحالة.
في أي مرحلة عمرية تحدث زيادة في حجم الدماغ؟
تبدأ زيادة حجم الدماغ في وقت مبكر من العمر. وجد Courchesne كورشسن وزملاؤه في عام 2003 أن أدمغة الأطفال المصابين بالتوحد تكبر بسرعة غير عادية أثناء عامهم الأول، كما أشارت دراسة أجريت في عام 2018 إلى أن زيادة حجم الدماغ يمكن الكشف عنه في الرحم.
يختلف الباحثون حول المدة التي يستمر فيها الدماغ في التضخم، فعلى سبيل المثال، يزعم Courchesne كورشسن أن هذه التضخم يختفي في وقت لاحق من العمر، حيث يتمتع البالغون المصابون بالتوحد بدماغ متوسط الحجم، وتابع فريق Amaral أمارال حجم الرأس والدماغ في الذكور المصابين بالتوحد مع مرور الوقت، وقد أفادوا في عام 2016 بأن زيادة حجم الدماغ المفرط يستمر حتى سن الخامسة، كما يقول (أمارال) إن فريقه لديه بيانات غير منشورة تشير إلى أن هذه الحالة تستمر حتى سن 11 عاماً، وهو يتوقع أن يستمر حتى سن البلوغ.
هل هناك تأثير لزيادة حجم الدماغ على نتائج تطور الطفل؟
يعد وجود دماغ كبير الحجم أمراً جيداً بشكل عام، ولكن بشكل متناقض أن الأطفال المصابين بالتوحد الذين لديهم تضخم في الدماغ يحصلون على نتائج أقل من أولئك الذين يتمتعون بدماغ متوسط الحجم، وليس هناك جدال حول هذه النتيجة.
إن حجم الرأس الكبير في العامين الأولين من العمر يشكل مؤشراً جيداً لشدة سمات التوحد لدى الأطفال في سن الرابعة، ويعاني الأطفال المصابون بالتوحد الذين لديهم أدمغة كبيرة الحجم مع مهارات الحياة اليومية مثل استخدام أدوات المائدة لتناول الطعام، وتميل مهاراتهم إلى الانخفاض على مدى السنوات الست الأولى من العمر، ويرتبط كبر حجم الرأس أيضاً بالصعوبات الاجتماعية وتأخر ظهور اللغة.
هل يملك بعض الأشخاص المصابين بالتوحد رأس صغير الحجم بشكل غير طبيعي خلافاً للمعتاد؟
صحيح أن بعض الأشخاص الذين يعانون من التوحد لديهم حجم رأس صغير، على الرغم من أن هذا يبدو أقل شيوعًا من كبر حجم الرأس ولا يُعرف عنه إلا القليل.