النوم المريح والكافي يشكل الأساس للأداء الوظيفي الأمثل، وكذلك للمشاركة والانخراط في أنشطة الحياة اليومية؛ وهو مفهوم يتوافق تاريخياً مع تطور دور العلاج الوظيفي كمهنة. تأثير النوم في الأداء والمشاركة على مدى مراحل الحياة تم دمجه مع دور أخصائي العلاج الوظيفي (2014 ,American Occupational Therapy Association).
في نظريات العلاج الوظيفي، يُنظر إلى النوم على أنه وظيفة تجديدية بهدف الراحة والاستجمام، ويمكن أن يدعم النوم الجيد والراحة تكوين مزيج وظيفي من الرعاية الذاتية والعمل وأوقات الفراغ أثناء النهار. تركز مفاهيم التوازن الوظيفي على مهارات إدارة الوقت وتشير أن التوازن بين الراحة/النوم والنشاط النهاري مهم في تعزيز الوظيفة والرفاهية. ولأن للنوم تأثير كبير على الأداء الوظيفي في أنشطة الرعاية الذاتية والعمل والترفيه. بالتالي، فإن النوم والعمل أثناء النهار مرتبطان بشكل وثيق، وسوف تسهم أنشطة النوم أو النهار المفرطة أو غير الكافية في اختلال التوازن الوظيفي.
تعتبر مشاكل النوم مشكلة صحية عالمية، حيث يتراوح متوسط معدل انتشارها من 10٪ إلى 30٪ في البلدان المتقدمة. حيث أن الأشخاص الذين يعانون من مشاكل في النوم معرضون للإصابة بحالات صحية خطيرة، مثل السمنة وأمراض القلب وارتفاع في ضغط الدم والسكري. تؤثر مشاكل النوم أيضاً على المهارات الإدراكية، بما في ذلك اليقظة ورد الفعل والذاكرة والقدرة على التعلم.
يوجد ترابط كبير بين مشاكل النوم واضطراب طيف التوحد، حيث تشير الدراسات بأن نسبة كبيرة من الأطفال من ذوي اضطراب طيف التوحد يعانون من واحد أو أكثر من اضطرابات النوم. يمكن أن تؤدي مشاكل النوم وعدم كفايته إلى النوم في النهار، ومشاكل التعلم والمسائل السلوكية مثل فرط النشاط وعدم الانتباه والعدوانية. إضافة إلى ذلك يؤدي هذا الاضطراب إلى ارتفاع مستوى الضغوط النفسية لدى مقدمي الرعاية مما يؤثر على جودة حياة الطفل والعائلة ككل.
العلاج الوظيفي والنوم
في حال وجود أي مشاكل بالنوم يُنصح دائماً باستشارة الطبيب لعمل الفحوصات اللازمة لاستبعاد أي أسباب طبية من الممكن أن تؤثر على جودة النوم.
النوم/الراحة هو أحد مجالات العمل التي يهتم بها أخصائيي العلاج الوظيفي نظراً لتأثيره الكبير على جميع جوانب الأداء الوظيفي للفرد. يستفيد أخصائيي العلاج الوظيفي من معرفتهم بفسيولوجيا النوم واضطراباته، وممارسات تعزيز النوم القائمة على الدراسات المقننة لتقييم مسببات اضطرابات النوم وتأثير الألم والإرهاق، والحالة النفسية والعاطفية، والمشاكل في الرؤية والتوازن والأنظمة الحسية على جودة النوم.
ويعالج أخصائيي العلاج الوظيفي اضطرابات النوم عن طريق تثقيف الوالدين ومقدمي الرعاية أولاً بشأن المفاهيم الخاطئة وتوقعات النوم ومعالجة العوامل التي قد تزيد من سوء نوعية النوم. ويركزون أيضاً على زيادة مهارات التكيف والتنظيم الذاتي لتيسير قدرة الطفل على الاسترخاء للبدء في النوم.
بعض الإجراءات التي من الممكن تطبيقها للتحسين من اضطرابات النوم:
- وضع روتين يومي منظم، وتحديد وقت ثابت للاستيقاظ والنوم. يُفضل أن يكون وقت الاستيقاظ مبكراً ليتمكن من النوم في وقت مبكر ليلاً.
- جدولة أنشطة مختلفة خلال اليوم؛ حيث تساعد الأنشطة الحركية خلال النهار في تعزيز نشاط الطفل وزيادة مستوى اليقظة لديه. وتركيز الأنشطة التي تتسم بالراحة والهدوء خلال الليل للمساعدة في تهيئة الطفل لوقت النوم مثل الاستحمام.
- معالجة الاضطرابات الحسية وتقديم بعض الاستراتيجيات التي من الممكن استخدامها للتقليل من تأثير المشاكل الحسية على النوم.
- تجنب استخدام الإلكترونيات قبل وقت النوم مثل مشاهدة التلفاز والجلوس أمام الأجهزة اللوحية.
- من الممكن أن يساهم الطعام بالتأثير على جودة النوم؛ فيُنصح بتجنب الأطعمة الدسمة التي من الممكن أن تسبب مشاكل بالهضم قبل وقت النوم. أيضاً تجنب المشروبات التي تحتوي على كافيين والحلويات كذلك.
- تهيئة البيئة للنوم: وذلك من خلال إطفاء الأنوار أو جعلها خافتة، مع إيقاف أي أصوات أو مصادر إزعاج للطفل.
- تطوير جدول فردي لروتين ما قبل النوم للطفل لمساعدته على الاستعداد للنوم، وقد يختلف نوع الجدول بحسب تفضيل كل طفل حيث أن بعض الأطفال يفضل قائمة المهام والبعض الآخر يفضل الجداول المرئية. ويحتوي الجدول على جميع مهام ما قبل النوم مثل: الاستحمام، تفريش الأسنان، ارتداء ملابس النوم، قراءة قصة ما قبل النوم وغيرها بحسب روتين كل أسرة.
يمكن أن يكون النوم معقداً بسبب الجوانب البيئية والفسيولوجية والنفسية والحسية. ولأن النوم مهم للغاية ولتأثيره الكبير على الأنشطة اليومية، من الرعاية الذاتية إلى المهارات الأكاديمية والمهارات الاجتماعية، فمن الأساسي أن يتلقى الأطفال الرعاية المناسبة من المختصين في هذا المجال، مثل أخصائيي العلاج الوظيفي، المدربين تدريباً جيداً على النظر في كافة العوامل لعملية النوم ولأهمية دورهم وفعاليته في تحسين اضطرابات النوم وزيادة الوعي بأهمية وجود روتين ثابت لتحسين جودة النوم من خلال عمل تقييمات وتقديم استشارات فردية تناسب حالة كل شخص.