وفقًا لدراسة حديثة، فإن الأطفال الذين يعانون من صعوبات اجتماعية هم أكثر عرضة للإصابة باضطرابات الأكل في سن الرابعة عشر من الذين لا يعانون منها، وقد قام باحثون في تحليل دراسات طولية لفهم العلاقة بين اضطراب طيف التوحد واضطرابات الأكل مع مرور الوقت.
ورد في الدراسة أن نسبة 20% على الأقل من البالغين، و 3% من الأطفال الذين يعانون من اضطرابات في الأكل هم مصابون باضطراب طيف التوحد أيضاً. ولكن الكثير مما يعرفه الباحثين عن الإرتباط بين الحالتين جاء من الدراسات السابقة حول أفراد كانوا يسعون لعلاج اضطرابات الأكل، وهذا يزيد من صعوبة فهم ما إذا كانت إحدى الحالتين تمهد للأخرى أو هناك سبب آخر يفسر هذا التداخل بين اضطراب الأكل واضطراب طيف التوحد.
تقول فرانكسيسا سولمي قائدة الدراسة (أحد كبار الباحثين في جامعة كلية لندن في المملكة المتحدة) أنه من المحتمل أن تسبب اضطرابات الأكل أعراضًا تشبه اضطراب طيف التوحد. وعلى سبيل المثال: تشير الأبحاث أن الجوع المرتبط بفقدان الشهية العصبي يمكن أن يسبب مشاكل في معالجة المشاعر.
أيضاً تقول سولمي “خلال كل الأبحاث التي أجريناها لم نتمكن من التأكد ما إذا كان اضطراب طيف التوحد يأتي أولاً ثم اضطراب الأكل ، أم أن المصابين باضطرابات الأكل لديهم أعراض اضطراب طيف التوحد بنسبة عالية؛ لكونه إلى حد ما مظهر من مظاهر اضطراب الأكل.”
تحديد المسارات:
سولمي وزملائها قاموا بتحليل بيانات من Avon Longitudinal Study of Parents and Children والتي تتبع 14 ألف فرد ولدوا في بريستول بإنجلترا في عامي 1991 و1992م ؛ للتأكد ما إذا كان اضطراب طيف التوحد يسبق اضطرابات الأكل.
وقد شاركت أمهات الأفراد في العينة في تعبئة استبيان حول السلوكيات الإجتماعية المرتبطة باضطراب طيف التوحد عندما بلغت أعمارهم 7، 11، 14، 16 سنة. ومن هذه السلوكيات على سبيل المثال المقاطعة المستمرة أثناء الكلام أو عدم إدراك مشاعر الآخرين.
عندما أصبح عمر الأطفال 14 سنة قاموا بالإجابة على أسئلة تتعلق بعادات الأكل لديهم, هل سبق وأن صاموا و عدد المرات التي قاموا بالصيام فيها أو التخلص من السموم أو استعمال حبوب الحمية لإنقاص الوزن، وأخرى متعلقة بمعدل تكرار سلوك الشراهة في الأكل.
في دراسة جديدة ينخرط 421 بالغ من أصل 5381 أي ما يقارب 8% منهم في نوع من أنواع اضطرابات الأكل شهريًا على الأقل، وما يقارب 3% من الأطفال أي 148 طفل يفعلون ذلك بشكل أسبوعي، ويشكل معدل حدوثه عند الإناث ثلاثة أضعاف من حدوثه عند الذكور.
دراسة Avon Longitudinal Study of Parents and Children لم تتضمن عادات التغذية قبل سن الرابعة عشر ولكن هناك دراسات أخرى تظهر ندرة حدوث اضطرابات الأكل قبل البلوغ.
وقد وجد الباحثون أن البالغين الذين يعانون من اضطرابات في الأكل يكون لديهم سمات اضطراب طيف التوحد بشكل أكثر في عمر 7 و11 و14 سنة، والذي بدوره يشير إلى أن هذه السمات تزيد من احتمالية الإصابة باضطرابات في الأكل، وكلما زادت هذه السمات لدى المراهق يزداد معدل السلوكيات المتعلقة باضطراب الأكل.
سمات التوحد واضطرابات الأكل لدى الأطفال
يحصل المراهقين ذوي اضطراب الأكل في سن الرابعة عشر على معدل أعلى في القوائم المرجعية للاضطرابات الاجتماعية والتواصلية (SCDC) من الذين ليس لديهم هذه الاضطرابات. تقييم الوالدين للصعوبات الاجتماعية لدى الأطفال.
تقول سولمي: أن هذه الأنماط صحيحة سواء كانت للذكور أو للإناث. فيميل التوحد لدى الإناث بأن يكون لا يشخص بشكل كافي وبالمثل لا تشخص اضطرابات الأكل لدى الذكور بشكل كافي كذلك وهذا يشكل صعوبة في دراسة كلا الحالتين للأفراد الذين يبحثون عن علاج.
تم نشر هذه الدراسة في الثالث من مايو في مجلة علم نفس الطفل والطب النفسي.
علم البيولوجيا المشترك:
تقول سوزان كوك (أستاذ مساعد في الطب السريري بجامعة كوبنهاغن في الدنمارك) وهي غير مشاركة بالدراسة, أن الدراسة من شأنها مساعدة الباحثين في الفهم الأفضل لسلوكيات الطفولة المبكرة والتي تؤدي إلى اضطرابات الأكل.
وكما تؤكد أيضاً:” لا يكفي فقط النظر الأفراد حين تكون لديهم اضطرابات الأكل, بل علينا البحث حول تطور هذه الاضطرابات”.
تقول سولمي: قد يرتبط حدوث اضطرابات في الأكل بالصعوبات الإجتماعية التي يواجهها المراهق، والتي بطبيعة الحال تشكل صعوبة مضاعفة لذوي اضطراب طيف التوحد.
وتضيف قائلة: “إذا كنت تواجه صعوبات و مشاكل مع أقرانك وأصدقائك فإن ذلك قد يسبب الشعور بالقلق أو الاكتئاب، وفي حال حدوث اضطراب في الأكل قد يكون في هذه الحالة أحد الطرق للتعامل مع الضغوطات”.
في حين يقول خبراء آخرون بأننا بحاجة للبحث أكثر لفهم الآليات الكامنة وراء كلاً من الصعوبات الاجتماعية واضطرابات الأكل، فمن المرجح وفقًا لقول والتر كاي (المدير التنفيذي لبرنامج اضطرابات التوحد في جامعة كاليفورنيا,سان دييغو) والذي لم يشارك في الدراسة, أن هناك أسباب أخرى بيولوجية مشتركة أدت إلى حدوث هذا الاضطراب وليس فقط أن أحدهما يؤثر على الآخر. ويقول كاي “وأن علينا فهم المزيد عن الآليات الكامنة وعلم الأعصاب ، وإلا فإنه سيكون من الصعب الوصول إلى علاج أفضل.”
تقول جنيفر وايلدز (أستاذ مساعد في الطب النفسي وعلم الأعصاب السلوكي في جامعة شيكاغو إلينوي) والتي لم تشارك في الدراسة, بغض النظر، فإن هذه الدراسة قد تحمل رسالة قيمة للأطباء العاملين مع ذوي اضطراب طيف التوحد و الأطباء الذين يعالجون اضطرابات الأكل, وأن عليهم مراقبة الاضطرابات في الأكل لدى الأفراد من ذوي اضطراب طيف التوحد مع اقتراب مرحلة المراهقة, ومراقبة الصعوبات الاجتماعية لدى من يعانون من اضطرابات الأكل. أيضاً يقول “وعليه فهذه الدراسة ستخبرهم كيف يتعاملون معهم في العلاج وأيضا كيف يتعاملون مع عائلاتهم.”