جائحة كوفيد-19
جائحة كوفيد-19 غيرت حياة العديد من الأسر حول العالم، ولكن أسر الأشخاص ذوي اضطراب طيف التوحد كانت معاناتهم أكثر. الأسر التي لديها شخص من ذوي التوحد تعتمد على الجلسات الفردية بشكل متكرر لأخصائيي النطق واللغة والعلاج الوظيفي و تحليل السلوك التطبيقي. غالباً ما تُقدَم هذه الخدمات في المدارس والعيادات; عطّلت و أوقفت الجائحة العلاج في كلاً من المكانين هذين، مسببة بذلك عزل أكثر للأشخاص ذوي التوحد وأسرهم. من آثار هذه العزلة؛ زيادة الوقت الذي يُقضى أمام الشاشات، وقلة التمارين والتفاعلات الاجتماعية. فضلاً عن ذلك، الأمراض المصاحبة قد تزيد من خطر الإقامة في المستشفى بسبب كوفيد-19 وهذا ما يخيف بشدة الوالدين لشخص من ذوي التوحد.
تظهر دراسات المسح التي أجريت على أسر ذوي التوحد مستويات عالية من التوتر وهذا بسبب جهد الرعاية الدائمة للأشخاص ذوي التوحد وأيضاً الشعور بالقلق بأن يصيبهم مرض. ترتفع مستويات القلق هذه بزيادة شدة أعراض التوحد. تبعاً لمقدمي الرعاية، فإن الذين خسروا الخدمات التي تقدمها المدارس هم الذين تأثروا أكثر. منع الخوف من كوفيد-19 الأسر من أخذ الرعاية الضرورية المؤقتة. وبما أن القلق بشأن صحة الشخص ذو التوحد يولد توتر عالي، إلا أن ما يزيد إلى ذلك هو القلق بشأن الأمور المالية والقلق بشأن صحة جميع أفراد الأسرة. ومقارنةً بالأطفال والمراهقين ذوي النمو الطبيعي، فإن ذوي بالتوحد لديهم نسبة أعلى بأن يصابوا بمشاكل عاطفية وسلوكية ويظهر لديهم انخفاض في التفاعلات الاجتماعية خلال الحجر المنزلي.
أكثر المتأثرين هم الأشخاص ذوي التوحد الشديد، المشاكل السلوكية الشديدة، والإعاقة العقلية. أوضحت دراسة مسحية للأسر الذين لديهم أطفال من ذوي التوحد من حالات جينية نادرة (الذين عادةً يظهرون مشاكل سلوكية أكثر حدة) أن أكثر من النصف خسروا الخدمات المدرسة والعديد منهم لم يستطيعوا الوصول إليها حتى عن طريق الرعاية الصحية عن بعد. ولكن، من الذين خسروا الخدمات الصحية، 50% منهم استطاعوا الحصول على الخدمات من خلال الرعاية الصحية عن بعد والعديد منهم يتمنى استمرار هذه الرعاية الصحية عن بعد حتى بعد مضي الجائحة. الأوضاع كانت سيئة جداً خصوصاً في منتصف فترة الحجر ويجب أن تُسأل هذه الأسر عن أفضل السبل التي نجحت خلال هذه الفترة وعن السبل التي لم تنجح.
1 في كل 54
نشر مركز التحكم في الأمراض والوقاية منها الأمريكي (CDC) في وسط هذه الجائحة، معلومات توضح ارتفاع بسيط في معدل انتشار التوحد في الأطفال في عمر 8 سنوات. وهذا الارتفاع قد يكون بسبب زيادة اكتشاف حالات التوحد في الأطفال ذوي البشرة السوداء، وقد كان منخفضاً تاريخياً بسبب عدم التأكد من الحالات. وجد ارتفاع مماثل لدى الأطفال في عمر 4 سنوات من المجموعات العرقية غير البيضاء. وبينما قلة التفاوت في التعرف والتشخيص على التوحد لدى الأطفال غير ذوي البشرة البيضاء أمر جيد، لكن الزيادة في معدلات انتشار التوحد لدى الأطفال ذوي البشرات الملونة تستدعي المجتمعات لضمان توفير خدمات الرعاية لجميع الأطفال. وهناك تحليل آخر أجراه مركز التحكم في الأمراض والوقاية منها الأمريكي (CDC) باستعمال طريقة شبكة مراقبة التوحد والإعاقات النمائية (ADDM) أوضح أن 25% من الأطفال لديهم اضطراب طيف التوحد من خلال مراجعة السجلات ولم يتم تشخيصهم بذلك، ونصفهم لم يحصلوا على أي من الخدمات. ما الذي يزيد هذا الارتفاع؟ بالتأكيد أصبح هناك مراقبة أفضل، ولكن عامل المراقبة هو عامل واحد فقط، بينما هناك أدلة متزايدة بأن التفاعلات الجينية والبيئية قد تساعد في تشخيص التوحد.
حياة ذوي البشرة السوداء مهمة
التوتر العرقي في الولايات المتحدة الأمريكية ولَّد صحوة عالمية وأشعل حملة وعي ضد العنصرية والتمييز، بعد مقتل جورج فلويد هذا العام. وينطبق هذا على مجالات عدة في علم الاجتماع وعلم النفس ولا يستثنى التوحد منها. نعم، الفجوة بين تشخيص الأطفال ذوي البشرة البيضاء والسوداء تصغر، ولكن، لاتزال موجودة. وهناك احتمالية أعلى على أن الأطفال غير ذوي البشرة البيضاء ينسون من التشخيص ولا يحصلون على التشخيص المناسب. تم توثيق تجارب الأطفال ذوي البشرة السوداء فيما يتعلق بالتشخيص في دراسة تحليلية عميقة، شارك فيها الأسر في قاعدة البيانات (AGRE) تبادل الموارد الجينية للتوحد. يكون سن التشخيص لديهم أعلى مقارنة بالأطفال ذوي البشرة البيضاء، على الرغم من أن القلق لدى الوالدين تجاه الأطفال في عمر مشابهة. ولم يكن التأخير في التشخيص بسبب عدم امتلاك تأمين طبي أو وجود إعاقة عقلية، مع أن سن تشخيص مع وجود الإعاقة العقلية غالباً ما يكون أقل بسبب وضوح الأعراض. هذا التأخير الكبير في عدم التشخيص الرسمي يحرم الأطفال الغير ذوي البشرة البيضاء فرصتهم على الحصول على التدخل المبكر. وأوضحت دراسة منهجية لخصت عقود من الأبحاث أن الأطفال ذوي البشرة الملونة يحصلون على فرص أقل في الوصول إلى الرعاية ولديهم حاجات أكثر غير مُلباة بالنسبة للخدمات ويصعب عليهم الحصول على رعاية طبية متخصصة، وتعليم، وخدمات اجتماعية مقارنةً بالأطفال ذوي البشرة البيضاء. من غير المفاجئ أن الوالدين الأمريكيين من أصل أفريقي أشاروا أن لديهم توتر أكثر من والدين الأطفال ذوي البشرة البيضاء.
مؤخراً في هذه السنة، نشرت دراسة أن أدوات الفحص البصرية عملت بشكل أفضل مع الأسر من الأصل الإسباني على عكس أدوات الفحص التقليدية. تغييرات كهذه يجب أن تحدث في أبحاث التوحد لخلق تنوع أكبر، وتشمل هذه التغييرات على ضم وتوظيف علماء وأطباء من أعراق مختلفة في مجال علاجات و أبحاث التوحد, وتطوير برامج لإبقائهم على تواصل مع أسر ذوي التوحد لتقديم الخدمات والدعم.
الكشف المبكر والتشخيص
شهدت سنة 2020 م جهوداً متجددةً لمحاولة إيجاد طرق لتحسين عملية التشخيص لجميع الأطفال. أغلب هذه الأبحاث كانت مع الرضع الذين لديهم احتمالات عالية بالإصابة بالتوحد بسبب وجود شقيق أكبر مشخص بالتوحد. بعض الأبحاث أوضحت بأن جهاز التخطيط الكهربائي للدماغ (EEG)، وهو جهاز واعد، يستطيع أن يجد العلامات الحيوية التي تتنبأ بالتوحد وأيضا يستطيع فهم طريقة عمل دماغ الرضع والأطفال الصغار بشكل أكبر. على سبيل المثال: أوضحت دراسات جديدة أن الأطفال الصغار الذين يظهرون أعراض التوحد في وقت متأخر يكون لديهم مستويات قليلة من التواصل الكهربائي في الأجزاء الأمامية والوسطى من الدماغ. الاختلافات في تفاعلات الدماغ لدى الأطفال الصغار وأيضاً الاختلافات في إشارات كهربائية معينة, قد تتنبأ بالقدرة على التعلم وعلامات الذكاء لاحقاً في التوحد. فضلاً عن ذلك، تقييم مقاييس معينة لدى الأفراد ذوي التوحد, قد يساعد في التنبؤ في احتمالية الإصابة بالتوحد و شدة الأعراض في الأشقاء الأصغر، و خاصةً في السلوكيات التكيفية، والتواصل، واللغة. وأيضاً، الملاحظات المبكرة لكيفية نظر الطفل واستجابته لأمة وكيفية مطابقة تعابير واستجابات وجهه مع نبرات صوت أمه هي أحد مؤشرات خطر الإصابة بالتوحد. قد تستعمل هذه الإشارات كأهداف لتطوير اللغة والتواصل.
فهم علم الوراثة هو مفتاح للتنبؤ بتشخيص التوحد. مؤخراً في هذه السنة، فحصت دراسة تحليلية علمية الحيوانات المنوية لأب لديه أطفال ذوي التوحد وأيضاً فحصت وجود طفرات جديدة (de-novo). هذه الطفرات الجديدة ظهرت في الشخص ذو التوحد وليس في دم أحد الوالدين لذلك فإن مصدر هذه الطفرات غير معروف. نسبة كبيرة من الآباء الذين لديهم أطفال يحملون بطفرات جديدة وتوحد كان لديهم طفرات في حيواناتهم المنوية وليس في دمهم. وتسمى هذه طفرات جسدية بسبب أنها لا توجد في كامل أنسجة الجسم. ومع أنها في أيامها الأولى، إلا أن هذه الاكتشافات تشير إلى ما قبل الحمل وهي بأن احتمالية الإصابة بالتوحد قد توجد بداخل الحيوانات المنوية. ولابد أن يذكر بأن ليست جميع الطفرات الجديدة توجد في الحيوانات المنوية للأب.
أكبر دراسة تحليلية للجينات المرتبطة بالتوحد، نُشرت هذا العام لم تقم فقط بالتعرف على 102 جين يساهم بشكل كبير في خطر الإصابة بالتوحد، ولكن تعرفت أيضاً على أن بعض هذه الجينات ترتبط في الاضطرابات العصبية النمائية الأخرى بشكل عام، متضمنتةً بذلك الإعاقات العقلية، والبعض الآخر مرتبط بشكل خاص بالتوحد. أوضح تعليق منفصل أنه من بين جميع الأبحاث المنشورة عن جينات التوحد، هناك القليل فقط من هذه الجينات (إن وجدت) ترتبط بشكل خاص بالتوحد. تساءلت العديد من الأسر أنه لماذا من الضروري عمل دراسة تحليلية للجينات بما أنها فطرية بيولوجية ولا يمكن تغييرها. وجدت دراسة تحليلية حديثة أن 12% من حالات التوحد كان سببها جين مسبب للأمراض وجد من خلال الاختبارات الجينية. غالباً ما تجتمع الأسر ذات الأطفال الذين لديهم طفرات جينية سوياً للحصول على المساعدة ومن الممكن أن تأتيهم فرص للمشاركة في تجارب طبية تستهدف طفرات جيناتهم بالتحديد.
مجال دراسة جديدة في علم الجينوم (genome) لا تتضمن الحمض النووي، ولكن يتعلق بعلم ما فوق الجينات (epigenomes)، وهو تعديلات كيميائية للحمض النووي التي بدورها تثبط أو تهيج الجينات. دم الحبل السري للرضع الذين يكون لديهم التوحد يكون فيه الملف المثيلي (Methylation) مختلف عن الذين لا يكون لديهم التوحد، وهذا يشير إلى أن مقاييس علم ما فوق الجينات (epigenomes) التي تقيس التعديلات على الحمض النووي يجب أن تستعمل لفهم احتمالية التشخيص وخاصةً في الأنماط الظاهرة المحددة. ومن الواضح أيضاً أن الذين لديهم جينات عائلية وراثية قد يظهرون عوامل خطر مختلفة عن الذين ليس لديهم تاريخ عائلي. على سبيل المثال، تأثير عمر الوالدين وسمنة الأم أثناء الحمل والاضطرابات الأيضية على احتمالية إنجاب طفل لديه توحد يختلف اعتماداً على تاريخ العائلة.
الوراثة في التوحد تتضمن على أسباب غير جينية أيضاً كتعرض الوالدين أو الأجداد لمواد أخرى. أوضحت دراسة تحليلية أولية أن هناك زيادة بسيطة في احتمالية الإصابة بالتوحد عند مستخدمي الماريجوانا بشكل متكرر. ربما يحدث هذا من خلال التغيرات في الحيوانات المنوية، وهذا لا يشرح بالطبع جميع أسباب التوحد. فضلاً عن ذلك، يتنبأ انخفاض مستوى هرمون الفازوبريسين (vasopressin) لدى حديثي الولادة بالإصابة بالتوحد لدى مجموعة صغيرة. أسباب بيئية أخرى ترتبط بالتوحد، كتلوث الهواء والذي تم دراسته من خلال نماذج حيوانية. على سبيل المثال: مولود فأرة حامل وضعت على طريق في كاليفورنيا معرض للتلوث أثناء حملها، وجد أن المولود لديه تأخر في التطور العصبي وعجز في التواصل الاجتماعي، وهذا يدعم الحاجة لتخفيض تلوث الهواء لتحسين صحة الأطفال حول العالم. أول دراسة عن وراثة التوحد عبر الأجيال، أجريت هذا العام من خلال استعمال بيانات من السجل الوطني السويدي. في هذه الدراسة حدد الباحثون معدل زيادة الإصابة بالتوحد لدى أخوة الأطفال ذوي التوحد. هذه أول دراسة توثق معدل الإصابة بالتوحد عبر الأجيال، ومع أنه يجب العمل عليها أكثر لفهم “الجيل القادم”. والأبحاث أيضاً توضح اختلافات في وظائف الدماغ لدى الإناث الغير مشخصات من ذوي أسر لديها تاريخ عائلي مع التوحد، وقد تنقل هذه الاختلافات إلى الأجيال القادمة.
خلايا الجلد قد تقودنا لخيارات جديدة
الدماغ هو أهم عضو يجب أن يدرس في التوحد، ولكن لسوء الحظ لا يوجد أنسجة دماغ تكفي لجميع الدراسات العلمية الجديدة والتي من الممكن أن تسبب ثورة في هذا المجال. لهذا من المهم معرفة “Autism BrainNet” الذي يركز على التأكد من أن جميع العائلات تعي أهمية التبرع بأنسجة الدماغ. على كل حال، جميع العلماء في العالم يقومون في البحث في مجالات عديدة، يستطيع علماء التوحد الآن استعمال أي خلايا من جميع أجزاء الجسم المختلفة ومن خلال إضافة مواد كيميائية والتلاعب بالجينات، يمكن تحويل هذه الخلايا إلى خلايا دماغ يمكن دراستها. هذه الخلايا الأولية يمكن أن تأخذ من الدم، الأسنان، الأنف أو الجلد. نظراً لأنه يتم “تحفيزها” لتصبح خلايا دماغية، تسمى “خلايا جذعية محفزة متعددة القدرات” “iPSCs”. ومع أنها ليست خلايا دماغ حقيقية، لكن يمكن أن تستعمل لفهم أدمغة الأشخاص ذوي التوحد، سواء كان لديهم طفرات جينية معروفة أو لا، على أمل تطوير المزيد من التدخلات. في الحقيقة، عندما تكبر هذه الخلايا أكثر فأكثر تبدأ بالاتصال والالتصاق ثم تكبر بطريقة تشكل فيها “أدمغة صغيرة”. هذه الخلايا تستعمل في اختبارات التجريبية لفهم كيف يتصل الدماغ ببعضه، وتجربة علاجات مختلفة.
الاختلافات بين الجنسين (الذكور والإناث)
الاختلافات بين الجنسين في ظهور سمات وأعراض التوحد، لطالما كان من الصعب قياسها، التباين بين الذكور والإناث في التشخيص يعني وجود مشاركات إناث أقل في الدراسات البحثية. هناك قلق بأن الأدوات التشخيصية قد تكون منحازة للذكور ولا تلتقط إناثاً بقدر الذكور. على كل حال باستعمال مجموعة من قواعد البيانات عبر العالم بأكثر من 9,000 شخص والتحكم بالعمر والقدرات الإدراكية، وجد الباحثون أن أدوات الفحص و التشخيص المعيارية ليست انحيازية تجاه الذكور مقارنةً بالإناث. بالنظر إلى فئات عمرية معينة، نجد أن الذكور تظهر لديهم سلوكيات تكرارية ومقيدة بشكل أكثر بوقت أبكر من الإناث، والإناث يظهرن هذه السلوكيات بشكل أكثر في مرحلة المراهقة.
نظرية أخرى قد توضح قلة تشخيص الإناث مقارنة بالذكور هي فكرة أن الإناث محميات ضد تشخيص التوحد بالجينات، أو عوامل بيئية، أو عوامل أخرى، أو عوامل عديدة تعمل معاً. العديد من الدراسات، متضمنةً أكبر دراسة والتي قد نشرت هذه السنة، أكدت أن الإناث يحملن طفرات جينية أكثر عبر الجينوم (genome) مقارنةً بالذكور. هذا يشير إلى أن الإناث يستطعن تحمل طفرات جينية أكثر من الذكور بدون أن يبدوا عليهن أي أعراض، هذا يدعم نظرية “التأثير الوقائي للإناث”.
وبما أنهن يحملن عوامل خطر أكثر، لماذا تكون معدلات التشخيص أقل لدى الإناث؟ دراسة واحدة تدرس مجموعة من الأشقاء الصغار لأشخاص من ذوي التوحد فحصت لديهم معدلات الهرمونات عند الولادة. وبما أنه لم يكن هناك اختلاف بشكل عام، إلا أن الأشقاء الصغار لأخت من ذوي التوحد كان لديهم علاقة قوية بين هرمونات عديدة عند الولادة و أعراض التوحد. لوحظ هذا التأثير في دراسات أخرى، ويشير إلى اختلاف في التأثيرات الجينية والبيئية لأشقاء الإناث مقارنةً بأشقاء الذكور. هناك حاجة لعمل دراسات أكثر. وبما أن هذه الدراسات قد تشرح الاختلافات في التعبير عن السمات بين الذكور والإناث، إلا أن هذه الاختلافات البسيطة، كتحسين التواصل الاجتماعي والإخفاء لدى الإناث، لا تغطي الإختلاف في التشخيص لدى الذكور والإناث.
القدرات الإدراكية واللفظية
هناك جدل كبير حول أهمية اللغة والمهارات الإدراكية لدى الأشخاص ذوي التوحد، بسبب أنها يمكن أن تؤثر على الوصول إلى الخدمات. هناك أدلة أكثر الآن أن الأشخاص الذين لديهم مهارات إدراكية ضعيفة أو مهارات لغوية قليلة قد يشكلون مجموعة فرعية للأشخاص ذوي التوحد الذين يحتاجون إلى منهج مختلف للتعامل. أنماط التفاعلات الدماغية لدى الأشخاص ذوي التوحد الذين لديهم مهارات لغوية قليلة والوراثة عند الذين لديهم مهارات إدراكية ضعيفة تكون في الحقيقة مختلفة عن ذوي التوحد الذين تكون لديهم مهارات لغوية فعالة.
كيف تعرف أن الطفل يحرز نتائج جيدة وكيف ترى الأسرة “النجاح” هو أمر يعتمد بشكل كبير على المهارات الإدراكية. أسر الأشخاص الذين لديهم مهارات إدراكية ضعيفة، يعتبرون النتيجة جيدة إذا اكتسب طفلهم مهارات تكيفية أعلى من التي تكون في العادة عند الأطفال ذوي 8 سنوات، كالمشاركة في الفعاليات خارج المنزل أو المشاركة في تفاعلات اجتماعية خارج الأسرة. أما أسر الذين لديهم مهارات إدراكية عالية يعتبرون النتيجة الجيدة هي عندما يتم توظيف أبنائهم بعمل ما (إذا رغبوا بذلك)، العيش من غير الاعتماد على شخص ما والحصول على صديق واحد حقيقي. الأشياء التي تؤثر على النتيجة الجيدة في هذه المجموعة هي مشاكل الصحة النفسية ومقاييس السعادة. مشاكل الصحة النفسية كالقلق، وهو أمر يظهر بشكل مختلف في البشر كلما اختلف معدل ذكائهم وبما أن العديد من الدراسات ربطت ارتفاع معدل الذكاء بارتفاع معدل القلق، إلا أن مقاييس القلق لا تكفي لقياس الأشخاص الذين لديهم إعاقة عقلية.
القلق والنوم
تصف الأسر والأشخاص من ذوي التوحد على أن القلق من أخطر المشاكل التي تواجه الأشخاص ذوي التوحد. القلق يحدث بنسبة عالية تصل إلى 80% في الأشخاص الذين لديهم معدل ذكاء طبيعي إلى مرتفع، ولكن بالنسبة للأشخاص الذين لديهم معدل ذكاء منخفض ليست واضحة. العلاج السلوكي الإدراكي (CBT) لطالماً كان علاجاً لأعراض القلق، متضمناً بذلك الأشخاص ذوي التوحد، ولكن قد لا يكون مناسب للأشخاص الذين لديهم معدل ذكاء منخفض. بينما تظهر مراجعة كبيرة أجرتها منظمة كوكرين للعلاج السلوكي الإدراكي (CBT) أن هناك مستويات تحسن بسيطة على مدى الدراسات التي عملت، إلا أن دراسات حديثة أوضحت مستويات تحسن كبيرة في أماكن الرعاية المجتمعية، وفي الأطفال الصغار والمراهقين. قد تساعد هذه النتائج الأشخاص الذين لديهم فرط الحركة وتشتت الانتباه والقلق في التوحد.
غالباً ما يعاني الأشخاص ذوي التوحد من مشاكل النوم. هذا العام، نشرت دراسة أن نمو الحصين (hippocampus) لدى الرضع يختلف عند ذوي التوحد الذين لديهم مشاكل النوم مقارنة بالذين ليس لديهم مشاكل النوم. هذه الدراسة توضح العلامات الحيوية لدى الرضع التي تؤدي لاحقاً إلى مشاكل في النوم – مما يمهد الطريق لعلاجات أكثر فائدة للنوم.
التدخلات الجديدة والرعاية الصحية عن بعد
عند تحديد جينات توحد جديدة (بفضل أحجام العينات الكبيرة وتقنيات التسلسل الجديدة) يعمل العلماء بسرعة لإنشاء نماذج حيوانات بهذه الطفرات لمحاولة فهم طريقة عمل هذه الجينات للوصول في النهاية إلى طريقة لتطوير تدخلات مستهدفة. الهدف من العلاجات هذه هو تحسين الضعف في سلوكيات التوحد كالتفاعل الاجتماعي أو النطق. هذه النماذج تستطيع أن توضح التغيرات في تركيب الدماغ أو التواصل بين الخلايا العصبية، والتي من الممكن أن تتغير من خلال العلاج. في أحد نظام النماذج كان هدف التدخل (بروتين تاو) وهو المسؤول عن مرض الزهايمر. تثبيط (بروتين تاو) خفف من أعراض التوحد عند الفئران الصغيرة، ومن الممكن أن يخفف التراجع الإدراكي لدى الأشخاص ذوي التوحد و المصابين بالخرف. في نموذج آخر فأر لديه التوحد كان يقضي على بروتين نيوروليجين (neuroligin)، وجد العلماء أن عقاراً جديداً لمرض السرطان قام بعكس الأعراض البيولوجية العصبية والسلوكية المرتبطة بالتوحد. هذا الإكتشاف قد يحرك التجارب السريرية في العام المقبل.
الدراسات خلال جائحة فيروس كورونا المستجد تضمنت تقديم الرعاية الصحية عن بعد. إحدى طرق الرعاية الصحية عن بعد تدعى إكو (ECHO)، استعمل الباحثون في التوحد هذه الطريقة لسنوات عدة، وأوضحت الدراسات الحديثة فعاليتها في المساعدة في تدريب الأطباء ونشر المعرفة. ترجع كلمة إكو (ECHO) لـ (تمديد لمخرجات الرعاية الصحية المجتمعية) “Extension for Community Healthcare Outcomes” وقد استعمل للمساعدة في تدريب مقدمي الرعاية لمعالجة كل شي من اضطرابات الدم إلى السكري وإدمان المخدرات في جميع أنحاء العالم. مجموعة من الباحثين يعملون لتحديد مدى جودته في مساعدة الأطباء في علاج الأسر التي لديها توحد. دراسة تجريبية أوضحت أن إكو (ECHO) حسن من معرفة أطباء الأطفال، والذي بدورة زاد من معدلات الكشف.
يتم استخدام طرق أخرى للكشف عن التوحد عن بعد، تتضمن على الملاحظة المنهجية لعلامات الخطر، وهي أداة كشف تتضمن ملاحظة مقاطع الفيديو المنزلية. وحتى المقاييس البيولوجية مثل الإنتباه للمشاهد الاجتماعية، تم تكييفها للاستخدام عبر الإنترنت. التنفيذ الناجح لأدوات الكشف عن بعد هو أمر مهم جداً خلال الجائحة عندما تكون العديد من العيادات مغلقة، وأيضاً مفيدة بعد زوال الجائحة للتخفيف من الحمل على الأسر وذلك بعدم جعلهم يتحملون عناء التنقل إلى العيادات من أجل الكشف عن التوحد.
كان عام 2020م عاماً لامثيل له، حيث أن الأسر والعلماء اضطروا أن يغيروا بشكل سريع من مسارهم و يتكيفون مع الحقائق القاسية لـ كوفيد-19، ولكن التطور العلمي لازال مستمر، والعديد من الطرق الجديدة فتحت أبواباً جديدة لتحسين الكشف والتشخيص وتقديم الخدمات للأشخاص من ذوي التوحد. بدلاً من الرجوع لما كنا عليه، سيأخذ العلماء ما هو مفيد ومساعد من خدمات الرعاية الصحية عن بعد ويأخذون أيضاً التقنيات المطورة خلال هذا الوقت. الآن، سيتقدم العلماء لمواصلة مساعدة الأسر خلال وبعد هذه الجائحة ويبنون على ما تعلموه وسيكون لديهم فكرة أفضل عن كيفية الإستعداد. لمساعدة أهاليهم وأنفسهم.