يُعدّ التوحد طيفًا واسعًا يضم أفرادًا تختلف قدراتهم واحتياجاتهم بشكل كبير. فبينما يواجه بعض الأفراد تحديات واضحة في التواصل أو التكيف مع البيئة من حولهم، نجد آخرين يمتلكون قدرات استثنائية في مجالات دقيقة ومعقدة. وهذا هو جمال الطيف التنوع الهائل الذي يذكّرنا بأن التوحد ليس قالبًا واحدًا، بل تجربة فريدة لكل فرد.
في كل زاوية من هذا العالم، هناك أشخاص يرون الأشياء بطريقة مختلفة، يفكرون بعمق، ويبدعون بطرق لم تخطر على بال أحد. بعضهم من الأفراد على طيف التوحد، وخصوصًا من ذوي الأداء العالي — أشخاص قد يبدون “مختلفين” في أعين البعض، لكن اختلافهم هذا هو ما يجعلهم مميزين، مبدعين، واستثنائيين.
من بين هؤلاء يبرز اسم إيلون ماسك Elon Musk، الرجل الذي غيّر وجه التكنولوجيا والفضاء. أعلن بنفسه أنه من ذوي التوحد أعلن بنفسه أنه من ذوي التوحد في مقابلة بعنوان Elon Musk on living with Asperger’s syndrome ، لكنه لم يرَ في ذلك ضعفًا أو عائقًا. بل جعله مصدر قوة. قدرته على التركيز العميق، والتفكير خارج الصندوق، وعدم الخوف من المخاطرة كانت جزءًا من طريقه نحو بناء شركات مثل Tesla وSpaceX — شركات غيرت العالم ودفعت البشرية خطوة نحو المستقبل.
لكن إيلون ماسك ليس وحده. فهناك أيضًا د.تمبل غراندين Temple Grandin، وهي من أبرز الأصوات في العالم في مجال فهم السلوك الحيواني، ومن أوائل الأكاديميين الذين تحدثوا علنًا عن تجربتهم مع التوحد في مقابلة مؤثرة بعنوان What it feels like to be autistic.
. حولت تمبل تجربتها الشخصية إلى مصدر وعي عالمي، وصممت مرافق أكثر إنسانية للحيوانات، وألهمت الملايين بقصتها عن الإصرار والفهم العميق لما وراء السلوك.
ولم يتوقف الأمر عند من صرّحوا بتشخيصهم، فهناك شخصيات شهيرة ومؤثرة لم تؤكد أو تنفِ ارتباطها بالطيف، لكن كثيرًا من الباحثين والمحللين لاحظوا في سيرهم وطرق تفكيرهم سمات تشير إلى ذلك، مثل ألبرت أينشتاين، وإسحاق نيوتن، وليوناردو دافنشي. اشتهر هؤلاء بتركيزهم الشديد، وتفكيرهم العميق، وعزوفهم عن الاختلاط الاجتماعي — صفات يرى البعض أنها قريبة من سمات التوحد. وسواء صحّ ذلك أم لا، فإن قصصهم تذكّرنا بأن الاختلاف لا يقلل من القيمة، بل قد يكون سرّ العبقرية.
كل هذه الأمثلة تؤكد أن الاختلاف والتوحد ليس عيبًا. فالعقل المختلف يرى تفاصيل لا نلاحظها نحن، ويسلك طرقًا لا يجرؤ الآخرون على سلوكها. بعض الأفراد من ذوي التوحد يمتلكون قدرات مميزة في مجالات مثل الرياضيات، والموسيقى، والفن، والبرمجة، والتحليل الدقيق للمعلومات قدرات يمكن أن تزدهر حين يجدون من يؤمن بهم ويمنحهم الفرصة للتعبير عن أنفسهم.
إن دعمنا للأشخاص ذوي التوحد لا يعني فقط تقديم المساعدة، بل هو استثمار في مستقبل أكثر تنوعًا وابتكارًا. فعندما نتيح لهم أن يكونوا على طبيعتهم، ونحتفي بقدراتهم بدلاً من محاولة تغييرهم، فإننا نفتح الباب لعالمٍ يرى الجمال في الاختلاف. فلنتذكر دائمًا: ربما لا يتحدث بعض الأفراد بالطريقة التي نتوقعها، لكن أفكارهم تتحدث للعالم كله.
لتسجيل ابنك أو ابنتك في تحليل السلوك التطبيقي في مركز التميز للتوحد على الرابط التالي (هنا)
إعداد: د. رفيف السدراني – رئيس قسم المحتوى والتوعية في مركز التميز للتوحد

