يرغب الأفراد من ذوي التوحد بنفس الأشياء التي يرغب بها أقرانهم الطبيعيين من الحياة، وذلك بغض النظر عن مستوى شدة التوحد لديهم، فهم يرغبون بتكوين علاقات اجتماعية إنسانية، وإستقلالية، ولكن معظم أفراد ذوي التوحد غير واعيين بكيفية تحقيق هذه الأهداف.
وخلال السنوات الماضية قامت لجنة Interagency Autism Coordinating Committee بتسليط الضوء على الأبحاث التي تتناول “قضايا الحياة”، مثل الإسكان والتوظيف. تؤكد النتائج ما يعرفه الكثير منا: أن أعداد البالغين من ذوي التوحد يتم توظيفهم بمعدلات أعلى من البالغين ذوي الإعاقات الأخرى، إلا أن نسبة توظيف الأفراد من ذوي التوحد بعد اكمال المرحلة الثانوية لا تتجاوز 42%، وهي نسبة محبطة.
لا تتناول هذه الدراسة جوانب مهمة مثل مستوى الرضا الوظيفي، حيث ركز الباحثون على مسألة هل هم موظفين أم لا وعدد ساعات العمل فقط، لكن نادرًا ما يبحثون عن أنواع الوظائف التي يشغلها الأفراد وكم يتقاضون من الأجر أو ما إذا كانت لديهم فرص للتطور في مجال عملهم.
الحصول على الوظيفة لا يكفي. بل من المهم أن نستمتع بما نقوم به ونتدرب على كيفية الحفاظ على هذه الوظيفة وأن تتاح لنا الفرص للتطور.
السؤال الأساسي الذي يراودنا نحن كأفراد ذوي التوحد في الوظائف هو – هل عليّ ان اوضح لمديري وزملائي بالعمل عن تشخيصي بالتوحد؟
تدرس القليل من الأبحاث تأثير الكشف عن تشخيص التوحد على مواقف زملاء العمل تجاه الفرد من ذوي التوحد، حيث يؤثر هذا على أفراد ذوي التوحد بشكل كبير ويؤثر على تجاربهم في التوظيف والنجاح على المدى الطويل.
تشير بعض الأبحاث إلى أن الكشف عن التوحد مفيد في تكوين الروابط الاجتماعية. وكشفت دراسة أجريت في العام الماضي أن الطلاب ذوي النمو الطبيعي كانت انطباعاتهم أكثر إيجابية تجاه السلوكيات التي يصر فيها الفرد على عدم تغيير موقع الأريكة عندما يعرف أن هذا الفرد من أفراد ذوي التوحد.
صرح ديفيد ماندل David Mandell (بروفيسور الطب النفسي وطب الأطفال في جامعة بنسلفانيا، في اجتماع IACC في أبريل) “بسبب أدلة كهذه نوصي شباب ذوي التوحد بالكشف عن تشخيصاتهم في المدارس وأماكن العمل.”
الحفاظ على العمل:
من تجربتي الشخصية، الكشف عن التشخيص سيفًا ذا حدين، كشخص تم تشخيصه بالتوحد في مرحلة البلوغ سبق وان عملت في وظائف قبل أن يتم تشخيصي بالتوحد، وبعد أن تم تشخيصي بالتوحد دون الإفصاح، وبعد أن تم تشخيصي بالتوحد مع الإفصاح.
أكملت دراستي الجامعية قبل تشخيصي بالتوحد. لكنني وجدت صعوبة في الحصول على وظيفة والحفاظ عليها. على حد علمي، ولم يكن هناك شيء أفصح عنه، لكني فشلت في مقابلات العمل التي كنت أقدم عليها مقابلة بعد مقابلة.
تخرجت من الكلية عام 2011، خلال فترة الركود ثم انتقلت بعدها إلى منزل والدي. وفي النهاية، حصلت على وظيفة كمساعد تحرير في مجلة طبية. اعتقدت أن الصعوبات للانتقال إلى مرحلة النضج قد انتهت لكني كنت مخطئا، تم فصلي من العمل بعد أسبوعين لكوني “غير مناسبة ثقافياً”. عندما سألت عن معنى ذلك ، لم أتلق أي تفسير.
وظيفتي الثانية كانت بدوام كامل كمساعد تحرير في وكالة أنباء علمية. في تلك الفترة تم تشخيصي بالتوحد لكني لم أفصح عنه لأن الأمر يبدوا ليس ضروريًا، بالكاد تفاعلت مع زملائي في العمل و قضيت نصف كل يوم في تحرير البيانات الصحفية. لم يكن عملاً اجتماعيًا، وتضمنت الوظيفة عنصرًا من خدمة العملاء كان يمثل تحديًا، فقد سئلت إمرأة غاضبة في إحدى المواقف ما إذا كنت روبوتًا مما جعل مشرفي يوصي بأن أحاول أن أتواصل بدون قراءة المكتوب فقط لم يكن يعلم أن هذا لم يكن خيارًا بالنسبة لي.
لقد برعت في عملي في التحرير حتى تم تشخيصي بالسرطان. تسبب لي بالقلق بفقدان كل ما كنت أقوم ببنائه في العمل. ازدادت التشنجات اللاإرادية وكانت بعض الطرق التي احفز بها نفسي مزعجة لزملائي في المكتب؛ لا أعتقد أن الإفصاح عن التوحد كان سيجعل ما كنت أفعله أقل إزعاجًا.
ولذا بدأت في تناول المزيد من أدوية القلق ، والتي قللت من التشنجات اللاإرادية لكنها أثرت على أدائي المعرفي. كنت أستخدم كل طاقتي للجلوس بلا حراك ولم يتبق لي سوى القليل للقيام بعملي.
لذلك أفصحت عن اصابتي بالتوحد وطلبت العمل عن بعد حتى اكتمال علاجي من السرطان، لكن الشركة رفضت طلبي. قيل لي أن هذا امتياز حصري لكبار الموظفين. نفذ صبر مديري إثر تكرر غيابي وأخطائي. و استقلت بعدها من الوظيفة بعد أكثر من عام بقليل وذلك للتركيز على صحتي.
المستقبل المجهول:
وظيفتي الثالثة كانت في منظمة غير ربحية تركز على أبحاث الإعاقة النمائية والعقلية، أفصحت عن تشخيصي بالتوحد قبل أن أقوم بمقابلة العمل. كان الإفصاح مفيدًا في بعض النواحي مثل فهم الناس أنه عندما لا أبتسم أو لا أتحدث، لا اقصد أن تكون إهانة اجتماعية.
شعرت بالقبول والإعجاب من زملائي في العمل، يمكنني أن أؤدي أداءً جيدًا في بيئة مكتبية، مع توفير الاحتياجات المناسبة. وبعد مرور عامين من الخبرة واكتساب الثقة في قدراتي، غادرت الشركة لتكريس وقتي في شركتي الناشئة وهي مجلة تحمل اسم NOS مصدر عبر الإنترنت لأخبار وتعليقات التنوع العصبي. لقد حظيت أيضًا بامتياز قضاء المزيد من الوقت في الكتابة والتفكير فيما أريده من مسيرتي. أدركت أن كونك محبوبًا ليس سببًا كافيًا ليتم احترامك.
من الممكن أن يسبب الإفصاح عن التوحد في العمل إلى إعاقة التقدم الوظيفي، كانت توقعات الناس المنخفضة مني ملحوظة، شعرت بأنني مقيدة. بعد بعض الإنجازات الكبيرة التي قمت بها تم رفض طلبي بالترقية. وبعد المزيد والمزيد من الإنجازات، حصلت على تغيير في المسمى الوظيفي لكن بدون علاوة في الأجر الذي أتقاضاه على الرغم من وجود سلم للأجور. لقد كنت أخذ 5000 دولار أقل من الحد الأدنى من رواتب المسمى الوظيفي الجديد. كان من المحبط أن تكون محبوبًا ظاهريًا لكن لا تحصل على ترقية حقيقية أبدًا.
تعكس تجربتي تجربة العديد من أصدقائي من ذوي التوحد في الثلاثينيات والأربعينيات وحتى الخمسينيات من العمر ، سواء كانوا يعانون من إعاقات عقلية أم لا. نحن نعمل في فترات التدريب وننتقل من فترة تدريب إلى فترة تدريب أخرى، أو نحصل على عمل بدوام جزئي فقط، ونحصل على الحد الأدنى للأجور أو يتوقع منا أن نتطوع بدون أجر. قد نحصل على أجر أقل من فرد غير معاق له خلفية مماثلة ويقوم بنفس العمل.
ليس لدي أي فكرة عن المكان الذي قد أعمل فيه خلال الخمس سنوات القادمة، ناهيك عن العشر سنوات. نحتاج إلى مزيد من البحث حول النتائج طويلة الأجل للموظفين من ذوي التوحد. بصفتي فرد من ذوي التوحد، فإن الجهل بمستقبلي مخيف بالنسبة لي، وأعتقد أنه سيكون مخيفًا بشكل أقل بالنسبة إلى أي فرد ليس لديه رؤية لمستقبله.
سارة لوترمان Sara Luterman كاتبة ومؤسسة لمجلة NOS وهو أول موقع إخباري وثقافي على الإنترنت بواسطة مجتمع التنوع العصبي. نُشرت كتاباتها أيضًا في The Guardian و Slate و The New York Times.